تنافس الدول على المواهب

21:34 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق*

مجلة الإيكونوميست الصادرة بتاريخ 17 أغسطس/ آب 2024 تساءلت: من قال «عندما تتخرج في كلية، أعتقد أنه يجب أن تحصل تلقائياً، كجزء من شهادتك، على البطاقة الخضراء «الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية»». والإجابة المدهشة حسب المجلة هي للرئيس السابق دونالد ترامب، سواء كان يقصد ذلك أم لا ويشير سجله في منصبه إلى العكس فإن كلماته تشير إلى أنه حتى السياسيين الوطنيين يدركون، على مستوى ما، أن الأجانب ذوي المهارات العالية يمكن أن يكونوا مفيدين. والواقع أن المهاجرين مفيدون للغاية، لأن مهاراتهم تميل إلى استكمال مهارات السكان المحليين. فهم يجلبون خبرات ومعارف واتصالات مختلفة، ما يجعل زملاء العمل المحليين أكثر إنتاجية. وحسب المجلة، حاولت دراسة أجرتها جامعة هارفارد قياس هذا من خلال النظر في ما حدث للباحثين عندما توفي أحد الزملاء. فقد أدى فقدان أحد العقول المهاجرة إلى خفض إنتاجية زملاء العمل (مقاسة ببراءات الاختراع)، بنحو ضعف ما حدث لفقدان أحد السكان الأصليين. ومن هذا، قدّرت الدراسة أن المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى 14% من السكان، مسؤولون عن 36% من الابتكارات. ومع ركود عولمة رأس المال، أصبح تدفق العقول عبر الحدود وسيلة أكثر أهمية لنشر الأفكار الجديدة. وحسب مجلة الإيكونوميست، أن الجوانب السلبية المترتبة على اجتذاب المزيد من المواهب يمكن التعامل معها في الأغلب. فإذا رفع المغتربون أسعار المساكن، فسوف يسمحون ببناء المزيد من المساكن. وهناك قلق آخر، وهو أن الدول الغنية التي تجتذب المواهب قد تترك الأماكن الفقيرة محرومة من رأس المال البشري، وهو قلق أكثر تعقيداً. فعندما ينتقل العلماء إلى مختبرات أفضل، فإنهم يبتكرون أكثر لمصلحة البشرية. وعندما يهاجر الناس من الدول الفقيرة فإنهم يكسبون أكثر، ويرسلون الأموال إلى أوطانهم، وغالباً ما يدفعون تكاليف تعليم أقاربهم. والواقع أن العديد من الخريجين يستسلمون، ويذهبون إلى أماكن أخرى. فنحو 73% من الخريجين الأجانب من الجامعات الأمريكية يقولون لباحثي استطلاعات الرأي إنهم يريدون البقاء في أمريكا، ولكن 41% فقط يفعلون ذلك بالفعل. والواقع أن الانسداد في خط الأنابيب من الحرم الجامعي إلى الوظيفة هو أحد الأسباب التي تجعل الجامعات الأمريكية، على الرغم من كونها الأفضل في العالم، تفقد حصتها في السوق لمصلحة الجامعات الأسترالية والكندية، على مدى عقدين من الزمان. «مقارنة هذا الوضع بدبي (حسب مجلة الإيكونوميست)، حيث يستطيع أي شخص يتقاضى راتباً أعلى من حد معين الحصول على تأشيرة عمل في غضون أسبوع. والاستقرار في دبي سهل إذ يتيح لك النظام الرقمي بالكامل الحصول على رخصة قيادة، وفتح حساب مصرفي، وما إلى ذلك في غضون أيام قليلة. ويمكن للمغتربين رعاية مربيات الأطفال للحصول على تأشيرات عمل، حتى يتسنى لكلا الزوجين العمل. وقد ساعد هذا النظام الترحيبي غير العادي في تحويل دبي من ميناء غامض على حافة الصحراء، إلى مركز أعمال عالمي في غضون جيل واحد فقط».
وتجد دراسات أن الدول النامية تستفيد من «هجرة الأدمغة» التي تصل إلى نحو 10% من خريجيها، وهذا يعني أن الهند والصين يمكن أن تتحمّلا خسارة المزيد. وتعاني العديد من الدول الفقيرة تدفقات خارجية أعلى، ولو أن المهاجرين أنفسهم يستفيدون بشكل كبير، وليس من الواضح أن مصالح بلدانهم يجب أن تتفوق على مصالحهم. وفي كل الأحوال، فإن الإيثار ليس هو الذي يمنع أغلب الدول الغنية من اجتذاب المواهب الطليقة بشكل أكثر فعالية. بل إن عدم الكفاءة هو الذي يمنعها. إن أولئك الذين يفشلون في توفير بيئة ترحيبية أفضل سوف يضيعون فرصة تسريع انتشار المعرفة وجعل أنفسهم أكثر ازدهاراً.
*مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/wzy6n8kn

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"