سياسة التكنولوجيا اليابانية

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي
ركزت التقارير على الحاجة إلى نقل تكنولوجيا الجامعة إلى الاستخدامات الصناعية، وتسجيل حقوق الملكية الفكرية للجامعات وتسويق نتائج البحث الجامعي، فأعلنت طوكيو عن مبادرة للصناعات المترابطة.

كانت نهاية الحرب العالمية الثانية علامة فارقة في التحول الياباني من سياسات تكنولوجيا الدفاع، إلى سياسات تكنولوجيا الاقتصاد، مع تأكيد القضايا الاجتماعية.

وتنبّه أول كتاب أبيض حول التكنولوجيا عام 1949، إلى افتقار اليابان إلى التكنولوجيا المطورة محلياً، نتيجة تفضيل استيراد التكنولوجيا بدلاً من الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير الغالية والمكلفة. واقترح الكتاب الأبيض دعم البحث والتطوير التطبيقي، وتحفيز الانخراط النشط للجامعات في نقل التكنولوجيا.

وخلال الخمسينات من القرن العشرين، كان استيراد التكنولوجيا عملاً ضخماً، حيث نجحت اليابان في تمثل وتعديل وتحسين التكنولوجيات المستوردة، وظهر في فترة الستينات اتجاه جديد في نظام الابتكار الياباني، وبدأت شركات القطاع الخاص في إقامة معامل بحث.

وعرفت تلك المعامل باسم «معامل البحث المركزية»، ثم ظهرت فكرة «المشروعات الكبيرة» التي استهدفت دعم مشروعات البحث ذات التكلفة العالية طويلة الأجل، عالية المخاطر، مع إمكانية أن تقدم منتجات تكنولوجية مهمة وتُدر عائدات ضخمة، وفي الوقت نفسه ليست هناك فرصة تقوم بها شركات القطاع الخاص في غياب المساندة والتدخل الحكومي. ومع اختيار عدد محدود من المجالات التكنولوجية، وتدبير الدعم المالي الكافي من جهة، ومزج المصادر التي تجيء من شركات القطاع الخاص، والجامعات، ومعامل البحث الوطنية.

من جهة ثانية، سعت الحكومة إلى إرساء وترسيخ قاعدة اليابان التكنولوجية، في ظل صناعات واعدة، ومن ثم زيادة حجم المنافسة الاقتصادية. وهكذا كانت الجامعات ومعامل البحث الوطنية، والشركات الخاصة، شركاء مساهمين، وإلى جانب وزارة التجارة الدولية والصناعة، كانت هناك وكالتان حكوميتان أخريان، تدعمان روابط الجامعة الصناعية. وكانت وكالة العلم والتكنولوجيا، هي التي أدخلت نظام ترقية ودعم العلم والتكنولوجيا الخلاقة سنة 1981، وكان نظام تلك الوكالة يتضمن مشروعات بحثية مشتركة لفترة خمس سنوات، مبنية على تعاقدات تدخل فيها الشركات الصناعية والجامعات والدولة.

وكان الهدف هو خلق البذور التكنولوجية. وكانت وزارة التعليم وهي السلطة المنظمة للتعليم العالي قد ركزت على تحفيز التعاون البحثي بين الجامعات الوطنية والصناعة. وكان برنامج تطوير البحث التعاوني مع القطاع الخاص، قد أعطى باحثي ومهندسي القطاع الخاص اتصالاً مباشراً مفتوحاً مع معامل الجامعات، وقامت مراكز البحث التعاوني بتقديم المكان داخل حرم الجامعات الوطنية، للقيام بالبحث التعاوني والتكليفي، كما قُدمت فرص التدريب لمهندسي القطاع الخاص.

وقد هدفت كل تلك السياسات إلى خلق فرص التعاون البحثي بين الجامعة والصناعة.

وعلى الرغم من أنه أُطلق على التسعينات من القرن العشرين وهي الفترة التي واجهت فيها اليابان كساداً اقتصادياً طويلاً، مصطلح «العقد المفقود»، فإن تلك الفترة شهدت صدور القانون الأساسي للعلم والتكنولوجيا سنة 1995، وهو ما ساعد الحكومة على تنقيح ومراجعة وتوسيع فكرة تخليق العلم والتكنولوجيا على المستوى الوطني.

وأدى ذلك القانون إلى المساعدة في استخدام الروابط الوثيقة مع الصناعة، لتسويغ الدعم الحكومي للنشاطات البحثية الحكومية. وكذلك تطلب تحوّل اليابان من أن تكون تابعة إلى أن تكون قائدة في مجال سياق الابتكار تكاملاً قوياً بين البحث الأساسي والبحث التطبيقي، مما استتبع بالضرورة تعاوناً قوياً بين الجامعات والصناعة، وإسهاماً مشتركاً بين الوزارات ذات العلاقة مع العلوم والتكنولوجيا، وأدى قانون عام 1995 مدعوماً بتلك القوى إلى تأسيس نظام ابتكار متكامل يقوم على تعاون ثلاثي: الصناعة، الجامعة، الدولة.

ثم صدر قانون تنمية نقل تكنولوجيا الجامعة والصناعة (تم تنفيذه سنة 1998) «لخلق دائرة محكمة لنقل التكنولوجيا»، وذلك عن طريق تسهيل تسجيل براءات الاختراع والترخيص للاختراعات الخاصة المسجلة بصفة شخصية، لتولِّد وتُدر عائداً مالياً تمكن إعادة استثماره في الأنشطة البحثية داخل الجامعات.

أما الخطة الأساسية الثانية في العلوم والتكنولوجيا التي غطت الفترة 2001 2005، وبنيت على الخطة الأولى وعلى عدد من التقارير الخاصة بتنمية روابط الجامعة والصناعة، فقد تم وضعها بالاشتراك بين لجان وزارات مختلفة.

وتعد الجهود الرامية إلى تطوير تقنيات القيادة الذاتية في قطاع السيارات، أحد الأمثلة على ذلك.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"