مآل التوتر التركي - السوري

04:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

تقع تركيا شمال سوريا، لكنها سياسياً تقع في هذه المرحلة في قلب الأزمة السورية . المناوشات العسكرية بين البلدين خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، جعلت من الخط الحدودي (822 كلم) خطاً ساخناً، علاوة على حرارة مرتفعة في الأجواء . والعلاقات بين أنقرة ودمشق بلغت مرحلة القطيعة، في أول سابقة من نوعها في علاقات البلدين . حدث ذلك في غمار الأزمة السورية الداخلية وليس قبل ذلك . ووقع بالتدريج ولم يتم دفعة واحدة، فحتى أواخر العام الماضي 2011 كانت لاتزال هناك بعض خيوط اتصال بين البلدين .

الموقع الجغرافي لتركيا يجعلها حقاً في قلب الأزمة، وكذلك في قلب الحلول حين تلوح هناك حلول للأزمة . فبينما تنوء دمشق بعلاقات متوترة مع جيرانها في الأردن ولبنان وتركيا، فإن الأخيرة وبحكم تطورات الأزمة ترقب بحذر علاقاتها الباردة مع جيرانها في العراق وإيران وروسيا واليونان وبعض الجمهوريات التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق .

دمشق مازالت تتمتع بدعم إيراني وروسي، بينما تتمتع أنقرة بدعم أطلسي وعربي، وهكذا فإن الطوق الجغرافي يقيد الجانبين السوري والتركي، مع فارق أن بلاد الأناضول لا تشهد أزمة داخلية طاحنة . . ليس اقتصادها مستنزفاً بل يقع في المركز السادس عشر من اقتصادات العالم، ولا يعاني جيشها التمزق .

التصعيد المتزايد بين الجانبين لن يوفر بيئة لحل الأزمة السورية، بل سوف يسهم في تعقيدها داخلياً . فالأزمة غير قابلة للتصدير إلى الخارج، وموسكو لن تكون مستعدة لمواجهة مع الأطلسي . وإيران ستواجه مأزقاً، فمع تمسكها بالنظام في دمشق ودعمها له، فهي حريصة على علاقاتها مع تركيا الدولة المسلمة الكبيرة السنية، والاتفاقات الاقتصادية في مجال الطاقة هائلة وتتعدى العشرة مليارات، وتلعب تركيا دور التجسير بين طهران والغرب في الملف النووي الإيراني وتستضيف مباحثات بهذا الشأن، وثمة مساحات للالتقاء بين البلدين بخصوص المسألة الكردية، وتجمع كلاً من تركيا وإيران ومصر لجنة مشتركة للنظر في الأزمة السورية بعد انسحاب العضو الرابع: السعودية منها . إن العلاقة بين طهران وأنقرة لا تقل وثوقاً عن تلك التي كانت قائمة بين دمشق وأنقرة، قبل أن تُضحّي دمشق بهذه العلاقة . . وهي علاقة قائمة على مصالح هائلة رغم التباعد الأيديولوجي . والراجح أن طهران وموسكو ستضغطان لمنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة، خاصة أن تدهور العلاقات بين أنقرة ودمشق قد أصاب موسكو، كما في أزمة احتجاز الطائرة السورية القادمة من موسكو عبر الأجواء التركية ومصادرة معدات رادارات روسية منها، وقد لوحظ حرص أنقرة وموسكو على تطويق الحادثة، والإعلان في موسكو أن خطط زيارة بوتين إلى أنقرة مازالت قائمة، وإن تم تأجيلها قبل الحادثة وباتفاق بين العاصمتين . كما أصاب طهران باحتجاز إيرانيين من طرف المعارضة السورية، ومازالت طهران تأمل بضغط تركي على الخاطفين .

هذا التشابك يبرهن أن لا مصلحة لأحد في تصعيد خطر للتوتر بين أنقرة ودمشق، وإذ تستند دمشق إلى أن أنقرة تتخذ موقفاً عدائياً بإيوائها قيادات وعناصر من الجيش الحر، فإن التطورات منذ بداية العام الجاري على الأقل تثبت أيضاً وجود هؤلاء داخل سوريا وعلى أطراف العاصمة . علاوة على أن ثمة معضلة سابقة على هذه تتمثل بتدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى تركيا ودول أخرى، وقد اتخذت دمشق موقف اللامبالاة تجاه محنة اللاجئين، بل إن مواقفها العملية تنمّ عن الارتياح لخروج عشرات الآلاف من وطنهم، باعتبار أن ذلك يُقلل من عدد المحتجين، ومن عدد التجمعات السكانية التي قد تؤوي جماعات مسلحة! وليس هناك في مألوف العلاقات الدولية، ما يجيز لدولة أن تتخفف من أعباء شرائح من شعبها، فتدفعهم دفعاً تحت السطوة المسلحة إلى النجاة بأنفسهم، والانتقال إلى دولة مجاورة كي تتحمل تلك الدولة أعباءهم . هذا هو مآل التوتر التركي السوري كما يرتسم في الأفق القريب، والتحذيرات شديدة اللهجة التي تصدر عن أنقرة، مترافقة مع تحشيد متزايد على الحدود يصب في هذا الاتجاه: اتجاه دفع القوات السورية بعيداً من الحدود . ومن المؤلم في هذه الأثناء أن تتعرض جموع اللاجئين لمثل هذه المخاطر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"