“غزوة الموصل” تنادي الأكراد وطهران

04:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
لا يتصور المرء أن المكاسب التي حققتها حركة داعش في شمال العراق (الموصل) الأسبوع الماضي سوف تدوم . ولئن حمل الانتصار السهل والسريع لهذه الحركة مفاجأة كبيرة، كشفت عن عيوب بنيوية وهيكلية لدى قوى الأمن العراقية، فإن هذا التطور قد أثار في الوقت نفسه مخاوف كبيرة لدى الحكم كما لدى جمهور واسع ينتشر في أغلب المناطق، وذلك لما تحمله داعش من صبغة طائفية صريحة (وإن لم تكن الوحيدة التي تحمل هذه الصبغة، بين ما لا يُحصى من ميليشيات عراقية) . لقد كان من شأن هذا التطور استعادة حكومة نوري المالكي شعبية تفتقدها رغم نتائج الانتخابات الأخيرة التي تصدر فيها الائتلاف الحاكم . ويحق للجمهور بالطبع أن يبدي قلقاً كبيراً وذلك نتيجة المخاوف الشائعة باحتمال حدوث صراع طائفي دموي، مفتوح ومتنقل .
الخشية الآن هي أن يجري الرد على الإرهاب بارتكابات تطال المدنيين هنا وهناك بدعوى مقاتلة "داعش" ومقاتلة متعاطفين مفترضين معها، أو مع ما فعلته . ويغدو الأمر أكثر تعقيداً حين يضاف البعد العشائري إلى البعد الطائفي . فهناك بيانات متلاحقة تصدر باسم "ثوار العشائر" حتى أن بعض هذه البيانات ينسب ما جرى إلى هؤلاء وليس إلى تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية، وهناك بقايا حزب البعث العراقي وبعض هؤلاء ينتسبون للحركة النقشبندية، وكذلك بعض القوى التي كانت تشكل "المقاومة العراقية" من الضباط المسرّحين . ومن الملاحظ أن التنظيم قد قام باختطاف العشرات من الأتراك في المدينة بينهم القنصل التركي وعدد من موظفي القنصلية في الساعات الأولى من اجتياح الموصل ما لاقى استنكاراً شديداً من انقرة لم يخل من تحذير الخاطفين من مغبة أعمالهم . ومغزى ذلك أن التنظيم يفتقد لإسناد سياسي خارجي . فيما الفوضى التي ما زالت تعم هذا البلد جعلت منه سوق سلاح مفتوحاً لمن يرغب بالبيع أو الشراء .
ما قد يكون من مصلحة داعش في المدى القصير هو حالة البلبلة والإرباك التي أصابت أجهزة الحكم في بغداد بعد الاستيلاء على الموصل واهتزاز الثقة بالقيادات الأمنية وبأداء القوى الأمنية . وهو ما عملت "داعش" على استغلاله بالحديث عن الزحف إلى بغداد (نحو 400 كيلومتر عن بغداد)، غير أنه لن يمر وقت طويل قبل أن تحشد حشود الجيش والشرطة ومجندين متطوعين وأفراد ميليشيات لاستعادة الموصل، في وقت يبدو فيه التدخل الأمريكي غير البري متوقعاً وهو ما ألمحت إليه مصادر أمريكية عدة .
علاوة على ما تقدم من قائمة قوى الصراع المفتوح، فإن الأنظار تتجه إلى طرفين سوف يسهمان في تضييق الخناق على داعش، وتحقيق مزيد من المكاسب السياسية وغير السياسية لهما . الطرف الأول هو إيران، التي سارعت للتعليق على التطورات بنبرة توحي وكأن الحدث قد وقع على الأراضي الإيرانية لا العراقية، وأن طهران سوف تتحرك تبعاً لذلك، وحتى دون أن تبدي الحكومة العراقية إعلامياً قبولها بهذا الاهتمام الإيراني الفائق، أو طلبها الرسمي له . يعرف القاصي والداني مدى النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين، والتطور الجديد سيحقق لهذا البلد المزيد من النفوذ والوجود على الأرض . صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت يوم الخميس الماضي أنباء تفيد بنشر الحرس الثوري الإيراني كتيبتين من فيلق القدس التابع للحركة لمساعدة الحكومة العراقية في حربها على المسلحين . ولا شك أن طهران لا تعوزها الوسائل والإمكانات لبسط وجودها على الأرض وحتى في الأجواء العراقية، في وقت لا تخفى علاقاتها مع ميليشيات، كما مع مختلف مستويات الحكم في بغداد . ولن يثير أي تدخل إيراني مرتقب ردود فعل سلبية في الخارج لدى الغرب، خصوصاً في ظل المعادلة الجديدة التي فرضها تنظيم يكتنف الغموض هويته، بعدما بدت المسافةٌ التي تربطه مع تنظيم القاعدة قصيرة جداً . وأيا كان مآل التطورات خلال الأسابيع القليلة المقبلة فإنه سوف يصعب على تنظيم داعش تثبيت وجوده، خاصة مع افتقاد هذا التنظيم القدرة على إدارة المناطق التي يسيطر عليها، كما في التجربة السورية وإنكاره لواقع التعدد الاجتماعي والثقافي في تلك المناطق ومحاولة فرض رؤيته السلفية المتشددة على الجميع بمن فيهم غير المسلمين (تضم الموصل مزيجاً من العرب المسلمين والمسيحيين والأكراد والتركمان) .
أما الطرف الثاني المستفيد من هذه التطورات والذي سوف يسهم في حسم المواجهات لغير صالح تنظيم داعش، فهو الحركة الكردية ممثلة بقوات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرازاني . لقد دعا نوري المالكي الأكراد لخوض المعركة، ولم يتأخر هؤلاء في خوضها، فكان لهم أن سيطروا على مدينة كركوك التي كانت تخضع لقوات شرطة تضم خليطا من عرب واكراد وتركمان . وتحدثت انباء حتى صباح السبت 14 يونيو عن تقدم البشمركة الى مناطق أخرى (جلولاء) . والراجح أن الحركة الكردية تخوض المواجهات وفق أجندة خاصة بها . فالسيطرة على كركوك الغنية بالنفط شكلت على الدوام مطلبا كردياً . والعلاقات بين إقليم كردستان والحكومة في بغداد ليست سمناً على عسل، ولم تدعم اربيل على سبيل المثال فكرة ولاية ثالثة لنوري المالكي بعد الانتخابات الأخيرة . وبذلك فقد شكلت هذه التطورات فرصة ثمينة احسنت الحركة الكردية استغلالها بالتمدد نحو كركوك .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"