الغرب ومستقبل مجموعة «البريكس»

02:44 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

تطرح التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة تساؤلات بالغة الأهمية، بشأن مستقبل كثير من التكتلات الدولية سواء بالنسبة لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، أو دول «البريكس» أو الاتحاد الأوروبي الذي تعرف مؤسساته تراجعاً لافتاً نتيجة «البركسيت» البريطاني.
ويبدو أن حالة الضبابية وانعدام اليقين التي تسم العلاقات الدولية بميْسمها، أسهمت في تراجع مستوى تأثير هذه التكتلات وفي تدني قدرتها على إحداث تغييرات حاسمة على المستويين السياسي والاقتصادي، ويصدق ذلك بشكل خاص على مجموعة «البريكس»، التي يتصف تجمعها بالهشاشة وبضعف قدرة بعض دولها على منافسة الدول الغربية بشكل جدي، حيث إنه باستثناء بكين، فإن مساهمة العواصم الأخرى لهذه المجموعة في الاقتصاد العالمي، تظل متواضعة إلى حد كبير.
وقد حاول زعماء «البريكس» في قمتهم الأخيرة التي انعقدت في جوهانسبورج بجنوب إفريقيا، مع نهاية يوليو/تموز الماضي، إعطاء دفع ونفَس جديدين لتكتلهم في مواجهة السياسات الغربية التي باتت تتسم بنزعة هجومية واضحة خلال السنوات الماضية، وخاصة مع تسلم ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، وانتهاجه لسياسة حمائية على المستوى التجاري، تعتمد على فرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات القادمة من دول المجموعة، وفي مقدمها البضائع الصينية، وذلك علاوة على العقوبات القاسية التي قرّرت واشنطن بمعية الاتحاد الأوروبي فرضها على موسكو، على خلفية الصراع في أوكرانيا والأزمة الدبلوماسية الناجمة عن محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سكريبال.
ويمكننا أن نذكر في هذا السياق، أن مجموعة «البريكس» تأسست سنة 2009، واكتمل عقدها الخماسي سنة 2011 مع انضمام جنوب إفريقيا إلى هذا التكتل الذي اعتبر حينها أول تكتل يجمع الدول الصاعدة التي تسعى إلى كسر احتكار وهيمنة الدول الغربية الكبرى، واليابان، على الاقتصاد العالمي.
وتبيّن مع مرور الوقت أن مجموعة «البريكس» لا تمتلك الإمكانيات الضرورية التي تجعلها قادرة على استقطاب كل الاقتصاديات الصاعدة في العالم. كما بدا واضحاً أن التنافر أو الخصومة مع الغرب، لا تمثل لوحدها سبباً كافياً من أجل التقاء دول متباعدة من الناحية الجغرافية ومختلفة من الناحية السياسية والأيديولوجية.
ويذهب كثير من المراقبين إلى أن التغطية الإعلامية التي تحدثت عن تأسيس هذه المجموعة، اتسمت بكثير من المبالغة، مردّها هيمنة قناعة واسعة لدى قسم كبير من النخب العالمية، بضرورة كسر الحصار الذي تفرضه الأوليغارشية الغربية على الاقتصاد الدولي، وعلى عالم المال والأعمال، حصارٌ تسبّب في حدوث أزمات اقتصادية كبرى دفعت الدول النامية والصاعدة، القسم الأكبر من فاتورتها الباهظة.
وإضافة إلى ذلك، فإنه بعد مرور قرابة عقد من الزمن على قيام هذا التكتل في 16 يونيو/حزيران سنة 2009 في روسيا، فإن نسبة إسهام دوُله في الناتج الداخلي الخام العالمي ما يزال حتى الآن متواضعاً، حيث انتقل من 11 في المئة سنة 2001 إلى 23 في المئة سنة 2017، وهي نسبة لا تكاد تصل إلى مستوى الناتج الداخلي الخام لدولة غربية منفردة هي الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يدفع كثيرين إلى التعبير عن تشاؤمهم بشأن مستقبل هذه المجموعة، وخاصة عندما يأخذون في الحسبان أن دول «البريكس» تضم داخل جغرافيتها الوطنية أكثر من 40 في المئة من مجموع سكان المعمورة.
كما يعتقد الخبراء الغربيون في السياق نفسه، أن الأنساق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمجموعة «البريكس» تتميّز بكثير من الضعف، نتيجة للصعوبات التي تواجهها في مجال الانتقال السياسي بسبب هشاشة المؤسسات السياسية، واتساع الفوارق الاجتماعية بين السكان، فنسب الفقر في دول مثل الهند والبرازيل والصين، ما تزال مرتفعة، كما أن الاقتصاد الروسي ما زال يفتقد إلى التنوع ويعتمد بشكل واسع على عائدات البترول والغاز.
أما بالنسبة لجنوب إفريقيا، فإن وضعها يظل أكثر سوءاً؛ إذ إن مظاهر الصراع العرقي بين البيض والسود ما تزال حاضرة بقوة، وتشكل خطراً على السلم المجتمعي، وبالتالي فإن هناك بوناً شاسعاً داخل هذه المجموعة ما بين «العملاق» الصيني وغيره من الشركاء.
ونستطيع أن نخلص عطفاً على ما تقدم، إلى أن هذه المجموعة باستثناء النوايا السياسية الطيبة التي ما فتئت تروِّج لها في لقاءاتها السنوية، فإنها لم تستطع أن تحقق حتى الآن، نتائج ملموسة قادرة على تغيير قواعد الاقتصاد الدولي، فقد اكتفت القمة الأخيرة بإعلان الصين عزمها على استثمار حوالي 14 مليار دولار في جنوب إفريقيا، إضافة إلى نية أعضائها مضاعفة القروض التي يمنحها بنك التنمية الجديد، الذي جرى تأسيسه سنة 2015 ليكون بمثابة البنك العالمي للدول الصاعدة.
وهناك فضلاً عن كل ذلك، شكوك قوية مازالت تحوم حول وحدة مجموعة «البريكس»، وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية في البرازيل التي تشير استطلاعات الرأي الأخيرة، إلى أن زعيم اليمين المتطرف جايير بولسومارو، الذي لا يخفي إعجابه بشخصية ومواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرشح للفوز بها.
وفي حال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في البرازيل، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إعادة النظر في عضويتها داخل مجموعة «البريكس»؛ الأمر الذي يطرح أسئلة جدية بشأن مستقبل هذا التكتل الفسيفسائي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"