عندما يبدأ الشاعر بالدندنة بكلمات يحاول إدخال بعضها في بعض وينسق بين موسيقاها وألفاظها، ويكوّن منها جملاً مفيدة، يرينا الشاعر في هذه المحاولة تشكيلات من الرسوم الجميلة.. وليس من عبث القول التأكيد على أن الشاعر عندما يدندن بكلمات شعرية، لا ينفث من صدره دخانا يلوث به الأجواء، بل ينفث من صدره عاطفة إنسانية جياشة.
وفي المقابل نجد أن بعض الشعر هراء، وهناك من الشعر الذي يتكدس دون نفع، كما يقول الشاعر القروي:
وكم في الشعر من كثبان رمل
تكدسها وتسفيها الرياح
وإذا كان الشعر خالياً من الوجدان الذي يعلو ويخفق بالعواطف، فهو مجرد تقاطيع من الكلام العادي.. كما يقول أحمد شوقي:
والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة، فهو تقطيع وأوزان
ولكن هناك شعراء، غير من يكدس رملاً، وغير من يرص التقاطيع والأوزان الكلامية ليس إلا، هناك من يجر نفوسنا وينزعنا نزعاً من تجارب الحياة الرتيبة إلى مستوى أسمى وأرفع، فننسى لفترة كل ما أحاط بنا من جوانب الحياة المادية المحيطة إلى فضاء علوي، ونخرج من القبو المادي الجاف الخانق إلى ربوة مشجرة خضراء ذات نسمات عليلة، وإلى مشاهدة وجوه يملؤها البشر والبسمة الحانية.. وثمة قول لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يرويه صاحب كتاب محاضرات الأدباء يعبر فيه تعبيراً واقعياً عن كنه الشعر ومراميه فيقول: الشعر يسكن به الغيظ وتطفأ به الثائرة ويتبلغ به القوم ويعطي به السائل.
اذن فمهرجان الشعر كان جيداً، ويعطي للشعراء مجالاً للتنافس في الابداع ورسم الكلمات الجميلة.. وقد دارت حولنا ساعات من السرور والبهجة، خاصة وقد اشترك في المهرجان فرسان الشعر الشعبي العالي، الشيخ حمدان بن محمد والشيخ أحمد بن محمد، وقد أبدعا بقصائدهما التي تعلوها الروح الملحمية وسرد التاريخ ضمن إلقاء جيد النبرات والإنشاد، والذي أضاف إلى المهرجان البهجة، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نفسه كان يرعى الحفلات العديدة ويشارك في بعضها بالحضور الشخصي مستمعماً ومشاركاً، مما أضفى على نفوس الحاضرين كثيراً من السرور، لاسيما ما عرفوه من الشيخ محمد أنه في قيادته للشعر لا يقل عن قيادته للشأن السياسي الخليجي..
وإذا كان للمهرجان، مهرجان دبي الدولي للشعر، دور في إظهار النشاط الثقافي لدبي، وجعل هذا النشاط موازياً للنشاط الاقتصادي والتجاري، فإننا نشير إلى جهد الأستاذ الأديب والشاعر بوعبدالرحمن، جمال المهيري، الذي رأس فريق العمل الذي قام بالترتيب والتنظيم لهذا المهرجان، وفي رأيي أن هذا الجهد قد آتى أكله الطيب وثماره الجيدة..
