بانتظار اعتراف عربي

04:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

جاء في الإنجيل: من فمك أدينك، وها هو الرئيس الأمريكي المغادر، مجللاً بكل أنواع العار التاريخي، يجلس أمام كاميرا التلفزيون ليعترف بأن حماقته قادته لتصديق ما قاله له الآخرون ويدخل نفسه وبلده والعالم في أتون جحيم العراق، لكننا سنصرخ مثل أحد أبطال شكسبير: كلمات، كلمات، مجرد كلمات، لا تصدر من القلب، وقائلها يجيب عن التساؤل الشهير للطفلة البريئة أليس في أرض العجائب بأنه يستطيع، مثلما استطاع طوال ثماني سنوات، أن يجعل الكلمات تعني أكثر من معنى وتشير إلى أكثر من شيء واحد وتصبح كلمات فارغة.

والواقع أن موضة الاعترافات العلنية وذرف دموع التماسيح من قبل المسؤولين الكبار والحكومات والدول قد أصبحت لعبة مبتذلة في عالم يضحك فيه البعض على البعض الآخر للتغطية على المجازر والجرائم والإبادات، من هنا فإن جلوس الرئيس الأمريكي بوش على كرسي الاعتراف، مثلما جلس مثله أخ له من قبل في بريطانيا، لن يكفي لمواساة عائلة عراقية واحدة نكبت في موت عزيز لها على يد جنود هؤلاء الفراعنة الحمقى، وإذا كان الرئيس الأمريكي يريدنا أن نبكي معه فليقنعنا أولاً بأن قلبه، ومعه قلب بلاده، يمتلئان بالحزن والأسى على ما فعلا، وهو ما لم يحدث بعد.

لكن المأساة المضحكة المبكية لن تنتهي هنا، فعملية معاقبة الرئيس بوش بدأت بالسقوط المدوي للحزب الجمهوري الأمريكي، والتي ستمر بالكشف عن الفضائح الكثيرة التي ستظهر في المستقبل القريب، وعلى رأسها فضائح الانهيارات المالية والعقارية في أمريكا وخارجها، والتي ستنتهي بدخول الرئيس بوش وزبانيته من المحافظين الأصوليين الصهاينة في مزبلة التاريخ، لكن ماذا عن الذين رقصوا من العرب على مسرح الجريمة مع بوش وزبانيته؟ اعترافات الرئيس الأمريكي يجب أن تطرح ذلك السؤال، ونحن يجب أن نجيش الناس للإلحاح على الحصول على جوابه، والجواب يجب أن يبدأ بجلوس كل أولئك العرب على كرسي الاعتراف.

إذن، ماذا عن الذين صدقوا الكذب الأمريكي والبريطاني، ودخلوا في لعبة التخويف الشيطانية، وخدعوا هم وأجهزة مخابراتهم بصور أسلحة الدمار الشامل المزورة عشية الغزو البربري؟ هؤلاء جميعاً متى سنسمع منهم كلمة اعتراف واحدة تنم عن اكتشافهم، ولو متأخراً، بأنهم هم أيضاً خدعوا وعن حزنهم وأسفهم على الانخراط، بقصد أو بغير قصد، في تلك اللعبة التي سيسجلها التاريخ بأنها كانت لعبة شيطانية دمرت روح بلد وشعب وأدخلت مجتمع العراق في متاهات الانحطاط؟ لماذا يضطر رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير ورئيس الدولة الأمريكية بوش أن يعترفا بأخطائهما ولا يعترف مسؤول عربي بارتكاب خطأ في التعامل مع تلك المسألة القومية؟

لسنا هنا للوقوف مع النظام العراقي السابق ولا مع تبرير أي من أخطائه وحماقاته، فذلك موضوع آخر، نحن في صدد وصف هذه الظاهرة السياسية العربية المخجلة، حيث يرتكب الكبار من المسؤولين أفظع الأخطاء، ثم يلوذون بالصمت الأبدي.

هذه الظاهرة تفضحها بصوت مدو اعترافات الكثيرين في الغرب بالجرائم والخطايا التي ارتكبوها بحق شعب العراق المنكوب في حياته ومستقبل أجياله، هذه الظاهرة تفضح شخصية من يتنطعون لحمل المسؤولية. فإذا كان قد قيل إن الشخصية بالنسبة للإنسان تماثل العطر بالنسبة للوردة، فإننا نكاد نقول، إن رائحة الوردة العربية قد أصبحت نتنة عفنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"