سباق تسلح مع «كورونا»

02:50 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

لم يشغل الأرق المتزايد جراء فيروس كورونا المستجد، مجمعات السلاح العالمية عن سباقها في إنتاج أفتك الذخائر بالبشر، وكأن سقوط آلاف الضحايا يومياً بالفيروس الغامض لم يقذف في صدور القائمين على التسلح بذرة الوعي بضرورة التخلي عن هذه البرامج المدمرة وصرف العقول الخلاقة والأموال الطائلة في البحث عن علاج يضع حداً لهذه المأساة العالمية المتعاظمة.

قبل أيام قليلة ناشد الزعيم السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف المجتمع الدولي بإعادة التفكير في التعاون الدولي في ظل انتشار وباء «كورونا» المستجد، مؤكداً أنه «لا يمكن للحرب وسباق التسلح حل المشكلات العالمية الحالية.. نحن بحاجة إلى إعادة توزيع الميزانية الآن. يجب ألاّ يتم استخدام الأموال لأهداف الحرب، وإنما لأجل تأمين الناس». ولكن في الولايات المتحدة؛ حيث يستفحل الوباء، لم تتغير مشاريع التسلح ولم تتخل عن حماسها لدعم الترسانة الأمريكية بمزيد من العتاد الفتاك، وتستمر الجاهزية على مدار الساعة بوحدات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وكأن الحرب ستندلع في أي لحظة، بينما الأولى في الوقت الراهن أن يعم الاستنفار ويجري التصويب على فيروس كورونا فقط باعتباره العدو الأوحد للبشرية الجمعاء. ومن ميزات هذا «العدو» أنه لا يميز بين الناس؛ بل إنه استطاع أن يضرب العصب السياسي والاقتصادي في مقتل، وعجزت القوى العظمى المدججة بأعتى أنواع الأسلحة عن فعل أي شيء؛ بل إن حاملات طائرات جبارة بدأت تعود مهرولة من أعالي البحار إلى اليابسة بحثاً عن النجاة دون أن تطلق رصاصة واحدة.

كثير من الصور المرافقة لأزمة «كورونا» تراجيدية إلى درجة كبيرة، تجمع بين ادعاء القوة والعجز، بينما يفرض الواقع مقاربات جديدة تأخذ في الاعتبار حجم المأساة التي حلت بالبشرية. والأولى بالعمل في هذا الظرف هو إعطاء فرصة أكبر للمخابر الطبية كي تعمل وتبتكر علاجاً ينقذ الأرواح، وليس تفجير القنابل وإطلاق الصواريخ وحشد الدبابات والغواصات والفرقاطات استعداداً لحروب افتراضية. ولأن مثل هذه الحروب لا يمكن أن تقع إلا أن الإعداد لها يستنزف تريليونات طائلة سنوياً، يجري سحبها من رصيد التنمية والصحة والبحث العلمي.

في خضم هذا القلق والضياع، أطل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في مناسبتين خلال هذه الأزمة، ليؤكد أن وباء «كورونا»، غير المسبوق في تاريخ البشرية، سيخلف فوضى سياسية واقتصادية، موصياً بالعمل على إنشاء نظام عالمي جديد لما بعد الفيروس. وشهادة من رجل مثل كيسنجر يقارب عمره القرن من الزمان، يجب أخذها في الحسبان على الأقل من جهة التجربة والظرف الزماني الذي تقلد فيه مسؤولية الدبلوماسية الأمريكية. والحديث عن بناء نظام عالمي جديد يعني القطع مع كل المقومات والمعايير الماضية لأنها لم تنفع عند الحاجة. وأول هذه المعايير الكف عن تعبئة ترسانات السلاح التقليدية والنووية والبحث عن مفاهيم جديدة للأمن علها تفيد البشرية في المستقبل إذا واجهت جائحة عصيبة كالتي تواجهها اليوم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"