ملفات شائكة على طاولة العام الجديد

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . غسان العزي
كان العام المنصرم عام الأزمات الدولية بامتياز . ومجدداً كان للشرق الأوسط النصيب الوافر منها، وإن كانت الأزمة الأوكرانية خطفت أنفاس المراقبين المتوجسين من مواجهة بين واشنطن وموسكو . ومن المؤكد أن العام الجديد سيرث الأزمات التي بقيت من دون حل، مع دخول عامل جديد قد يعيد خلط الأوراق وهو انهيار أسعار النفط .
في القريب العاجل سيكون على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت روسيا شريكاً لايمكن تجاهله أو جاراً مهدداً لها، كما على حلف الاطلسي أن يحسم خياره حيال انضمام أوكرانيا إليه الذي تعارضه موسكو بشدة، من خلال إعادة النظر في استراتيجيته الروسية . والمفاوضات بين الرئيسين بوتين وبترو بوروشنكو، برعاية ميركل وهولاند، على خلفية وقف هش لاطلاق النار بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من موسكو، يمكن أن تقود الى حل نهائي للأزمة، يتمناه الأوروبيون والروس، أو إلى فصل جديد من حرب باردة متجددة يودها المتشددون في كييف وموسكو وواشنطن .
ومشكلات روسيا مع الغرب دفعتها الى التوجه صوب الصين الذي يتوقع أن يشهد العام 2015 تكريساً للتفاهم معها يذكّر بالعصر الذهبي للتحالف الاشتراكي في خمسينات القرن المنصرم . وترحب روسيا بالدعم الصيني لها في وقت تعاني العقوبات الغربية وتراجع أسعار الطاقة . وبدورها ترحب الصين بهذا التقارب الذي يزيد من وزنها في آسيا حيث يوجد نصف شركائها الاقتصاديين العشرة الأساسيين، ويساعدها على تنمية صلاتها مع القوى الناشئة، ولو على حساب علاقتها مع الولايات المتحدة المتهمة بالتدخل في الشؤون الداخلية الآسيوية .
العام 2015 هو عام الانتخابات التشريعية في أوروبا: في الدنمارك والسويد وفنلندا حيث يخشى من صعود اليمين المتطرف، وفي اليونان وإسبانيا والبرتغال حيث الاقتراع على سياسات التقشف المفروضة من بروكسل التي تشعر بقلق جدي على تماسك الاتحاد الأوروبي . هذا التماسك سيكون أمام امتحان الانتخابات التشريعية البريطانية في مايو/أيار المقبل والتي ستدور الحملات الانتخابية فيها حول انتماء المملكة المتحدة الى الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء الذي سيجري حول الموضوع في العام 2017 .
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كادت إيران والدول الست التي تتفاوض معها حول ملفها النووي منذ عقد كامل، أن توقع اتفاقاً تاريخياً لولا عقبات استدعت تمديد التفاوض الى يونيو/حزيران المقبل . والسؤال الذي يتوقف عليه المشهد الجيواستراتيجي الجديد في الشرق الاوسط هو ما إذا كان المحافظون الإيرانيون والجمهوريون الأمريكيون، لأسباب تتعلق بالصراعات السلطوية الداخلية، سيسمحون بالتوصل الى مثل هذا الاتفاق أم سيعملون ما بوسعهم لمنعه .
كان العام المنصرم عام "داعش" بامتياز لاسيما عندما احتل التنظيم الإرهابي مساحات واسعة في العراق في يونيو/حزيران شملت مدينة الموصل، قبل أن يعلن إبراهيم البغدادي نفسه خليفة ويعد بتوسيع "دولته" . احتدم الخلاف مع تنظيم "القاعدة" الذي يشهد تراجعاً في نفوذه وشعبيته . تنظيم "النصرة" فقط بقي موالياً للقاعدة من دون "داعش" . والمعارك بين التنظيمين لا تمنع تحالفهما في وجه الائتلاف الغربي، لكنها مرشحة للامتداد في العام الجاري الذي قد يشهد أفولاً لتنظيم القاعدة وسيطرة ناجزة ل"داعش" على ساحة "الجهاد" (أو الإرهاب) العالمي .
في شمال إفريقيا ملفان خطران ملحان في العام الجديد . فالجرح الليبي النازف يفتح على كل الاحتمالات، وقد أضحى ممراً للشبكات الجهادية الساحلية إلى دول الجوار . وتخشى الأمم المتحدة من "حرب شاملة" في ليبيا، وتفكر فرنسا في توسيع رقعة عملياتها في الساحل الى الجنوب الليبي، كما أن دولاً عربية تفكر جدياً في تقديم الدعم العسكري العلني الى السلطات الشرعية، على خلفية نداءات الاتحاد الإفريقي من أجل حل دبلوماسي .
بعيداً عن منطقتنا قد يتغير وجه القارة الأمريكية . ففي الشهر المنصرم اتفق راوول كاسترو وباراك أوباما على تدمير آخر جدران الحرب الباردة عبر تطبيع العلاقات المقطوعة بين بلديهما منذ أكثر من نصف قرن . لكن مهمة أوباما لكن تكون سهلة في مواجهة الكونغرس الجمهوري واللوبي المعادي لكاسترو . في المقابل تبدو مهمة هذا الأخير شبه مستحيلة لأن دمقرطة البلد الذي يفتقر الى النقابات والصحافة والأحزاب وغيرها ليست ممكنة في المدى المنظور رغم أنها شرط لرفع العقوبات الأمريكية والوصول في التطبيع إلى مآلاته .
تبقى ملفات مهمة كثيرة أخرى على طاولة العام الجديد، منها على سبيل المثال إمكانية القضاء على مرض "الايبولا" أو التوصل إلى اتفاق تاريخي حول المناخ في باريس والذي يعني الفشل فيه كارثة حقيقية على المستقبل الإنساني، فضلاً عن القضية الفلسطينية التي ستبقى سبباً رئيسياً للتوتر في الشرق الاوسط والعالم أيضاً مع احتمالات انفجار انتفاضة ثالثة بعد فشل مجلس الأمن في التوصل الى قرار لإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" للدولة الفلسطينية التي باتت تحظى باعتراف دولي واسع .
لكن تراجع أسعار النفط، إذا ما استمر، فإنه سيترك آثاراً جيوبوليتيكية ستطبع العام الجديد بطابعها . فقد بدأت آثار هذا التراجع بالظهور في روسيا التي تستعد للدخول في ركود اقتصادي، وفي فنزويلا التي تواجه الإفلاس، الأمر الذي دعا حليفها الكوبي، الذي يعتمد على دعمها له، إلى الاستدارة صوب العدو الأمريكي بهدف تطبيع العلاقات معه . إيران ونيجيريا أعادتا النظر في ميزانيتهما، والجزائر لجأت إلى احتياطياتها من العملات الصعبة، والعجز الخزيني السعودي سيصل إلى مئة مليار دولار، والكويت تستعد للاستدانة من المؤسسات الدولية، وقطر تراجعت عن مشاريع استثمارية عدة في أوروبا . . الخ . ماذا يحمل العام الجديد في هذا الملف؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"