ترامب.. مقاتل بلا حلفاء

02:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق
في السياسة كما في الحرب لا توجد معركة بلا حلفاء، وليس بوسع مقاتل أن يواصل نضاله من دون أنصار. غير أن هذا هو الوضع الذي يتشكل تدريجياً حول دونالد ترامب المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية. مازال له مؤيدون كثيرون، ولكن أنصاره الكبار وحلفاءه المؤثرين ينفضون من حوله واحداً تلو الآخر. أهم المنسحبين هي الصحف اليمينية التي اشتهرت تاريخياً بتأييدها للمرشحين الجمهوريين.
أحد تقاليد السياسة الأمريكية أن تحدد الصحف الكبرى موقفها من المرشحين في انتخابات الرئاسة. وأن تعلن اسم المرشح الذي تراه أجدر بقيادة الأمة. وتعتبر الصحف هذا الإجراء جزءاً أصيلا من مسؤوليتها الأخلاقية والأدبية تجاه الناخب، حيث تساعده على اتخاذ القرار المناسب.
وبطبيعة الحال تنقسم الصحف بين مؤيد للمرشح الجمهوري ومناصر للديمقراطي. وفي أحيان قليلة تنحاز لمرشح ثالث لا يعيره الجمهور عادة أدنى اهتمام وربما لم يسمع به كثيرون. وكلما كانت الصحيفة ذات شهرة ومصداقية كان لتأييدها صدى أكبر، إلا أن ذلك ليس بالضرورة عاملاً حاسماً في النتيجة.
على هذا الحال تجري دائماً معركة الانتخابات الرئاسية. غير أن هذه المرة تشهد الساحة الأمريكية تحولاً استثنائياً في تاريخ العلاقات المتشابكة بين السياسة والإعلام. إذ كسرت الصحف اليمينية القاعدة التاريخية التي التزمتها بدعم المرشح الجمهوري. الأهم أنها لم تكتف برفض ترامب، ولم تعتصم بالحياد بل أعرب بعضها عن تأييد هيلاري مثل «أريزونا ريبابليك» التي لم تدعم مرشحاً ديمقراطياً طوال 126 عاماً من عمرها. وكذلك «سينسيناتي إينكوايرير»، و«سان ديجو يونيون تريبيون» ولم تدعما أي ديمقراطي منذ 1932.
وقد نشرت «واشنطن بوست» قائمة تضم 13 صحيفة يمينية مهمة تصدر منذ ذلك العام رفضت كلها تأييد ترامب، وأيدت سبع منها هيلاري، بينما أيدت الأخريات مرشحاً ثالثاً أو امتنعت عن دعم أحد.
قبل الاسترسال في توضيح أهمية هذا التطور، نشير إلى أن تأييد الصحف الأمريكية لمرشح لا يعني انحيازها له في تغطيتها الإخبارية التي تلتزم فيها المعايير الموضوعية والتوازن في تناول أخبار كل المرشحين. الجهة التي تتخذ قرار الدعم أو بمعنى أدق التوصية للناخبين بالتصويت لمرشح هي هيئة التحرير، وهي كيان مستقل عن الأقسام التحريرية الأخرى المعنية بالتغطية اليومية للأحداث.
وتمثل تبريرات الصحف المحافظة لرفض دعم ترامب ضربة موجعة وربما قاتلة له في وقت حاسم، خاصة أنها ليست الحليف الوحيد والمهم الذي يتخلى عنه وسط المعركة. هناك مجموعة كبيرة من الشخصيات الجمهورية المؤثرة والشهيرة التي أعلنت رفضها دعمه وتفضيلها لمنافسته الديمقراطية. وقد نشرت «واشنطن بوست» قبل أسبوعين قائمة تضم نحو 54 من هذه الشخصيات تشمل أعضاء كونغرس حاليين وسابقين، ووزراء ومسؤولين سياسيين وعسكريين سابقين.
لا يعني هذا أن الهزيمة باتت المصير المحتوم لترامب. ولكن من المؤكد أن مهمته أصبحت أصعب بكثير، لأنه سيخوض الجولات الأخيرة من معركته بغير هؤلاء الحلفاء الكبار والمؤثرين.
لا يتسع المجال لحصر الأسباب التي قدمتها الصحف لتبرير تخليها عن ترامب. غير أننا نكتفي بنموذج واحد لا يمكن تجاهله وهي صحيفة «يو إس إيه توداي». يستحق موقف هذه الصحيفة وقفة خاصة، ليس فقط لأنها غير محسوبة على اليمين، ولا لأن ما ذكرته عن ترامب هو حصاد جامع لكل ما قيل في حقه وما يؤخذ عليه. ولكن أيضاً لأن هذه الصحيفة هي الأوسع انتشاراً في الولايات المتحدة رغم أنها الأكثر شباباً إذ لا يتعدى عمرها 34 عاماً. كما أن هذه الصحيفة التزمت منذ نشأتها عدم الإعلان عن تأييد مرشح بعينه خلافاً لما سارت عليه غيرها.
قبل أيام خرجت الصحيفة الوقورة لتعلن أنها اضطرت لكسر القاعدة التي ألزمت نفسها بها. ودون أن تعلن تأييدها لكلينتون قالت إنها لا تجد مفراً من التحذير من انتخاب ترامب الذي تراه غير مؤهل للرئاسة، ويفتقد الحس والمعرفة والمصداقية والنزاهة والاستعداد للمنصب. فقد وصفته الصحيفة بالكاذب والغريب الأطوار والمتهور، ويفتقد قدرات القائد العام ويشيع الكراهية والخوف ويفسد الحوار الوطني ومنعزل عن المجتمع.
القائمة طويلة وقاسية ولو اجتمع عباقرة الحزب الديمقراطي ودهاته على أن ينالوا من غريمهم ما استطاعوا أن يفعلوا أفضل مما فعلت هذه الصحيفة المحايدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"