خيارات القوة الأمريكية في إفريقيا

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

أكدت الإدارة الأمريكية مؤخراً، أنها ستعيد النظر بشكل كبير في سياستها الخارجية مع دول القارة السمراء، وستقوم أيضاً بإجراء تقييم دقيق وصارم لكافة صيغ الدعم الذي تقدمه للدول الإفريقية، وذلك تماشياً مع الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى احتواء تعددية التحالفات في العلاقات ما بين الدول، في سياق وضع دولي بالغ التعقيد تحوّلت فيه دول القارة، إلى معترك للتنافس الاقتصادي والجيوسياسي بين القوى الكبرى، خاصة بعد الانتشار الكبير للنفوذ الصيني في القارة، الذي بات يهدد المصالح التقليدية للدول الغربية الكبرى في القارة، لاسيما المصالح الأمريكية والبريطانية في شرق القارة، والمصالح الفرنسية في غربها.
وقد صرّح جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، أن بلاده لن تقبل من الآن فصاعداً، ما سمّاه «التقليد المتعلق بالمساعدات من دون نتائج، والمساندة من دون مسؤولية، والدعم من دون إصلاح»؛ مؤكداً بذلك أن الحضور الأمريكي في القارة سيخضع مستقبلاً لاعتبارات تتعلق بالمصالح العليا لواشنطن، بالدرجة الأولى، معلناً في اللحظة ذاتها بداية عملية إعادة بناء كامل للاستراتيجية الأمريكية في القارة السمراء، في تناغم كامل مع مطالب دونالد ترامب، الذي دعا زعماء الدول الإفريقية إلى القيام باختيار استراتيجي بالتحالف مع واشنطن، والابتعاد عن روسيا، وخاصة عن الصين، بحسب ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.
كما أكد بولتون في السياق نفسه، أن المساعدات الأمريكية سيتم ربطها مستقبلاً بالنتائج المحققة على أرض الواقع. وأشار إلى بعض الدول التي لن تتلق مستقبلاً دعماً مالياً من واشنطن، بسبب «فشلها الأخلاقي» وعجزها عن القيام بالإصلاحات المطلوبة، وخص بالذكر دولة جنوب السودان.
وخلص إلى القول: «إن أمريكا أمة كريمة ومعطاء، ولكننا نلحّ الآن، على ضرورة الاستخدام الجيد لأموالنا»، ومن المؤسف في اعتقاده أن مليارات ومليارات الدولارات من دافعي الضرائب الأمريكيين لم تصل إلى تحقيق النتائج المرجوة. وبالتالي، فإن الإدارة الأمريكية تسعى في المرحلة الراهنة وفق ما أشارت إليه بعض المصادر الدبلوماسية إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها الأفارقة، الذين يتقاسمون معها النظرة نفسها بشأن الملفات الإقليمية والدولية، وستعمل على عزل الزعماء الذين لا يتعاونون معها، ويخدمون أجندات منافسيها الكبار في القارة.
ويمكن القول إن التحولات الكبرى التي تعرفها القارة، دفعت مستشار الرئيس الأمريكي، إلى اتهام خصوم بلاده وعلى رأسهم روسيا والصين بانتهاج سياسة منافسة غير شريفة في إفريقيا، ووصف الاستثمارات الصينية في القارة بأنها قائمة على القنص والنهب، وتهدف إلى إغراق الدول الإفريقية بالديون لضمان ولائها ودفعها إلى خدمة مصالح بكين التي تحصل بحسب زعمه على المشاريع الاقتصادية باستعمال أساليب الفساد والرشوة، كما اتهم روسيا بمحاولة استنزاف الثروات الطبيعية للدول الإفريقية.
ومن المستبعد بحسب الخبراء المحايدين، أن تؤدي هذه المقاربة الأمريكية العنيفة في التعامل مع إفريقيا، إلى تحقيق نتائج عملية ملموسة؛ بل إن التهديدات الأمريكية لزعماء القارة من شأنها أن تؤدي إلى إحداث نتائج عكسية، يمكنها أن تفضي أيضاً إلى تقريب حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة من بكين بشكل أكبر.
ومن الواضح اعتماداً على العديد من المؤشرات السياسة والاقتصادية، أن القارة الإفريقية تجلب الآن اهتمام القوى الكبرى؛ ليس فقط انطلاقاً من إمكانياتها الاقتصادية الواعدة ودورها وموقعها الجيواستراتيجي، ولكن لأن هناك رغبة واضحة لدى بعض الأطراف الدولية في تحويل القارة الإفريقية إلى رقعة شطرنج، بالنسبة للصراع المحتدم حالياً بين القوى الكبرى، وخاصة ما بين واشنطن والعملاق الصيني.
وتشير تقارير عسكرية أمريكية، إلى أن الولايات المتحدة ستعمل خلال السنوات المقبلة على الحفاظ على وجود عسكري أقل بروزاً، ولكن أكثر فعالية من خلال تقليص قواتها الموجودة في القارة بنسبة تصل إلى 10%، مع الحرص بشكل خاص على تكوين القوات الإفريقية المحلية، وستركز كل جهودها على محاربة الإرهاب في ليبيا والقرن الإفريقي ودول الساحل، وخاصة في النيجر التي يوجد بها حوالي 800 جندي أمريكي، في منطقة لا تبعد كثيراً عن الجزائر التي تربطها شراكة اقتصادية كبرى مع الصين.
ومن اللافت أن التصريحات السياسية والتحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة، تأتي في مرحلة تشهد فيها القارة الإفريقية عودة قوية للتعاون العسكري الروسي مع دول القارة، بعد أن عرفت تراجعاً كبيراً منذ التسعينات من القرن الماضي، فقد وقعت روسيا على 19 اتفاقية عسكرية مع الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، لاسيما مع إثيوبيا ونيجيريا وزيمبابوي، كما أعادت بشكل لافت تعاونها العسكري مع مصر، ووصل تنسيقها العسكري مع الجزائر إلى مستويات غير مسبوقة، كما أشارت العديد من التقارير، إلى أن المملكة المغربية تعمل بشكل جدي من أجل الحصول على معدات عسكرية روسية متطورة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"