الانتخابات الجزائرية ورهان الاستقرار

02:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

تشهد الجزائر يوم الخميس 4 مايو (أيار) انتخابات عامة تشريعية ومحلية، سيكون رهانها الأساسي، التأكيد على أهمية الاستقرار المؤسساتي في هذا البلد العربي، الذي سيكون بعد أقل من عامين على موعد مع انتخابات رئاسية حاسمة، ستسهم في رسم معالم المستقبل السياسي للجزائر . ومن المنتظر أن يكون لنواب هذا البرلمان الجديد دور كبير في تسيير المرحلة المقبلة، في سياق سياسي ومجتمعي يتميز بحساسية بالغة بالنسبة لمسألة الانتقال السياسي، نتيجة للخلافات الموجودة ما بين مختلف الأطراف حول من سيحكم الجزائر في مرحلة ما بعد جيل الحرب التحريرية الذي ظل يستمد مشروعيته السياسية من التضحيات التي قدمها أبطال ثورة نوفمبر 1954 التاريخية.
وتختلف انتخابات هذه السنة عن سابقتها التي جرت سنة 2012، من حيث إنها تجري في وضع سياسي واقتصادي يتميز بصعوبة بالغة، نتيجة لتواصل تدهور صحة رئيس الجمهورية من جهة وتراجع مداخيل الحكومة الجزائرية من النقد الأجنبي بسبب الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط منذ بداية سنة 2015 من جهة أخرى؛ تراجع أدى إلى حدوث اختلال كبير في الموازنة العامة للدولة نظراً لاعتماد الاقتصاد الجزائري بنسبة تفوق 97 في المئة على عوائد تصدير النفط والغاز. وقد أشار التقرير الذي أصدره مؤخراً صندوق النقد الدولي، إلى أن هناك تآكلاً مستمراً لاحتياطي الجزائر من النقد وتباطؤاً مقلقاً للنمو، بالرغم من التطمينات التي تسعى حكومة عبد المالك سلال إلى تقديمها للمواطنين، بشأن مصير الدعم الذي تقدمه الدولة للسلع الواسعة الاستهلاك. ويتوقع خبراء صندوق النقد ألا يتجاوز معدل نمو الاقتصاد الجزائري خلال سنة 2017 نسبة 4.1 في المئة.
ويجمع المراقبون للشأن الجزائري أن أكبر تحدٍ يواجه حكومة سلال خلال هذا الاستحقاق الانتخابي، سيتعلق بنسبة المشاركة التي من شأنها أن تقدم نوعاً من المصداقية للبرلمان المنتخب ولعملية الانتقال السياسي التي من المنتظر أن تحدث خلال سنة 2019. وعليه فإنه وبالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها معظم وسائل الإعلام وكل الطاقم الحكومي من أجل إقناع الجزائريين بضرورة المشاركة بكثافة في اقتراع يوم الخميس المقبل، إلا أن أطرافاً عديدة من المعارضة ومن بينها «حزب طلائع الحريات»، الذي يرأسه المنافس السابق لبوتفليقة في انتخابات الرئاسة السابقة، تؤكد أن نسبة المشاركة ستكون جد ضعيفة نتيجة لقناعة الغالبية الساحقة من الجزائريين، بعدم جدوى هذه الانتخابات التي يذهب المقاطعون لها إلى القول إنها لا تستوفي الشروط المطلوبة التي تجعلها تمثل فرصة ملائمة من أجل تحقيق تغيير سياسي حقيقي على مستوى البناء الهرمي للسلطة، وبخاصة في هذه الفترة التي تعرف فيها الجزائر أزمة اقتصادية حادة، مرشحة للتفاقم حال استمرار تراجع أسعار النفط.
أما بالنسبة للأحزاب المشاركة في الانتخابات، فيمكن تقسيمها إلى 3 فروع رئيسية بحسب المواقف التي ما فتئت تعبّر عنها فيما يتعلق بمسار العملية السياسية التي يجري التحضير لها في المرحلة الراهنة، فهناك أولاً الأحزاب الإسلامية المعتمدة التي تتحدث بشكل مسبق عن نية الجهاز الإداري التابع للحكومة التدخل في مسار العملية الانتخابية لصالح أحزاب الموالاة، حيث يحذر كل من عبد الرزاق مقري زعيم التيار الإخواني ورئيس «حزب حركة مجتمع السلم»، وعبد الله جاب الله رئيس «حزب جبهة العدالة والتنمية» الذي يقف على التقاطع ما بين التيارين السلفي والإخواني، الحكومة من تداعيات المساس بنزاهة هذا الاقتراع. والموقف نفسه تتبناه جل الأحزاب الأمازيغية (البربرية) الممثلة لمنطقة القبائل، التي تتبنى في الغالب منطق المواجهة المفتوحة مع الحكومة في كل المواعيد السياسية التي تشهدها الجزائر.
وتدافع أحزاب الموالاة أو أحزاب السلطة كما يجري وصفها في الإعلام الجزائري، على الطابع المفصلي لهذه الانتخابات، التي ترى أنها تأتي في ظرف داخلي وإقليمي بالغ الحساسية والخطورة، وتذهب إلى القول إن نجاح هذا الاقتراع سيسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي للجزائر، ومن شأنه في اللحظة نفسها تقوية مؤسسات الدولة في مواجهة كل التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة. ويعتقد بعض السياسيين أن انتخابات 4 مايو ستشهد بعض التراجع في مستوى التمثيل البرلماني لحزب جبهة التحرير الوطني، لصالح غريمه ومنافسه داخل تيار الموالاة، حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أحمد أويحي، بالنظر إلى المشاكل العديدة التي شهدها مؤخراً حزب جبهة التحرير الوطني على مستوى قيادات الصف الأول وعلى مستوى اختيار قوائم مرشحيه لهذه الانتخابات.
وعليه فإنه وبصرف النظر عن النقاشات السياسية الحادة التي تعرفها الجزائر، والتي تصل في الغالب إلى مستوى المهاترات والتراشق اللفظي، إلا أنه يجب الاعتراف في كل الأحوال، بأن هذا البلد العربي الكبير بجغرافيته السياسية وعدد سكانه وطاقات أبنائه، مقبل على تحولات حاسمة خلال السنوات القليلة المقبلة، ومن الأهمية بمكان أن تجري كل المواعيد الانتخابية المقبلة، في كنف الهدوء والاستقرار، لأنه وبصرف النظر عن هوية من سيتسلم السلطة مستقبلاً، فإن الرهان الرئيسي سيظل مرتبطاً بتحقيق الاستقرار والأمن في بلد ما زالت تطمح القوى الاستعمارية السابقة لأن تعم فيه الفوضى، حتى يمكنها العودة من النافذة بعد أن خرجت عنوة من باب الحرب التحريرية المظفرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"