البناء الأهم

04:27 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

من روائع الأدب العالمي قصة قصيرة للكاتب البرازيلي الشهير «باولو كويلو» يقول فيها: «كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع صفحة من الجريدة كانت تحتوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه طالباً منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة الصحيفة ظاناً بأن الابن سيأخذ وقتاً طويلاً في إعادة الترتيب، ولكن ما كادت تمر خمس عشرة دقيقة حتى تمكن الابن من ترتيب الخريطة! فتساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلاً: لا، لقد كانت هناك صورة إنسان على الوجه الآخر من الورقة وعندما عدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم».. رسالة الطفل من خلال القصة كانت تقول إن الأهم هو بناء الإنسان.
حين شعر قدماء الصينيين بالخوف من الغزو الخارجي قاموا ببناء سورهم العظيم الذي أصبح من عجائب الدنيا السبع، فقد كان السور من حيث السُمك والعلو ما يجعله سداً منيعاً لا يمكن اختراقه ولكنه اخترق خلال المئة سنة الأولى ثلاث مرات ليس عن طريق الاقتحام وإنما عن طريق دفع الرشوة إلى حراس البوابات فقد كان الصينيون حين ذاك يؤمنون بقوة وصمود الحجر حتى أنهم نسوا بناء الإنسان قبل الحجر فكان ما كان.
خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية محطمة، ولكن هذه الهزيمة لم تقتل روح الحياة عند اليابانيين، فقد شرعوا في وضع الخطط التي سيسير عليها الإنسان الياباني نحو النهوض، فاعتمدوا مسار تدريس التربية الأخلاقية بدءاً من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الجامعة، معتمدة على عدة مفاهيم أهمها: الإخلاص والانضباط والتفاني عند القيام بالعمل، الاعتدال في كل أمور الحياة، الحرص والتعاون والشجاعة في مواجهة الحياة، الفهم العميق لمفهوم الحرية، السعي الدائم إلى تطوير الذات، حب البحث والقراءة من أجل الوصول إلى الحقيقة، الشعور العميق بالمسؤولية المجتمعية من حيث الحقوق والواجبات، الإسهام في بناء وتطوير المجتمع، احترام القواعد والقوانين واحترام من يتفانى في خدمة المجتمع من المعلمين والآباء والأمهات ورجال الشرطة وعمال النظافة... إلخ، احترام ثقافة الآخر والتفاني في خدمته، والسعي لتعزيز مفهوم الصداقة بين شعوب العالم.
بعد كل ما سلف أعلاه، لا بد لنا هنا من التنويه المتشح بالإشادة الذي مفاده: أن التربية الأخلاقية في اليابان منظومة متكاملة وهي عبارة عن شراكة مجتمعية تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع لكونها مشروعاً قومياً تفتخر به اليابان بأسرها، فقد أجاب ذات مرة وزير التعليم الياباني حين سئل عن سر تقدم بلده والتفوق الذي تحرزه في كل مناحي الحياة قائلاً بكل فخر: «السر يرجع إلى التربية الأخلاقية».
بعد النقطة لا بد من أول السطر الذي يفيد ما يلي: فعلاً تقوم وزارة التربية والتعليم لدينا بتدريس مادة التربية الأخلاقية استجابة لتوجيهات القيادة الرشيدة، ولكن السؤال هنا ما محتوى هذه المادة وما دور وإسهامات مؤسسات المجتمع الأخرى في هذا المشروع الوطني الأهم من كل مهم؟. نقطة، لابد من بداية لسطور صفحات عديدة أترك محتواها لكم جملة وتفصيلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"