ثلاث حكومات تحت هيمنة نتنياهو

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تشكلت في فلسطين حديثاً حكومتان فلسطينيتان، الأولى في غزة تابعة لحركة حماس وتسمى «اللجنة الإدارية» التي تدير شؤون غزة وأكبر مهمة لها هي جباية الضرائب لأنها معفاة من تقديم خدمات حيث تتولى السلطة الفلسطينية ووكالة غوث اللاجئين مهمة التعليم والصحة وخدمات الشؤون الاجتماعية. والحكومة الثانية هي حكومة السلطة برئاسة الدكتور محمد اشتية خلفاً لحكومة الدكتور رامي الحمد الله الذي كان موضع جدل ونقد نظراً لنرجسيته الشخصية التي انعكست على أداء حكومته في رأي الكثيرين. أما الحكومة الثالثة التي يجري تشكيلها فهي حكومة بنيامين نتنياهو التي ستهيمن على الحكومتين الأخريين وتخضعهما لإرادتها لأنها المسيطرة على الأرض. حكومة الدكتور اشتية تميزت بأنها حكومة اكاديمية وستكون مهمتها الرئيسية توفير الأموال لصرف الرواتب بعد توقف السلطة عن تسلم مستحقاتها الضريبية من الاحتلال احتجاجاً على احتجاز الاحتلال لعشرات الملايين شهرياً هي مخصصات الأسرى وأسر الشهداء.
أما نتنياهو فيريد من حكومته أن تدعم خطته في فرض السيادة الاحتلالية على الضفة وضم المنطقة المصنفة (سي) في «اتفاق اوسلو» التي تشكل ستين في المئة من مساحة الضفة، وقد رفع هذا الشعار إبان حملته الانتخابية. وهذا الشعار حشد له الدعم اليميني المتطرف انتخابياً، وجعل «الإسرائيليين» يعتقدون أن «التسوية الأمريكية» مجرد خطة «إسرائيلية» تتيح الاستمرار في احتلال الضفة ومنع قيام دولة فلسطينية. وتعتبر أحزاب اليمين أن الفرصة سانحة للضم في أعقاب فوز اليمين في انتخابات الكنيست للمرة الرابعة على التوالي، ودعم ترامب غير المسبوق، وضعف الاتحاد الأوروبي، وضعف الأمم المتحدة، والحروب في العالم العربي والانقسام الفلسطيني وغيرها.
إن إقدام «إسرائيل» على ضم المنطقة (سي) سيعبر عن تغيير جوهري لسياسة الحكومات «الإسرائيلية» الأخيرة، التي دأبت على تنفيذ «ضم زاحف» من خلال سلسلة خطوات، مثل توسيع المستوطنات، وإقامة طرق التفافية لتعميق الفصل العنصري بين الفلسطينيين واليهود حيث رصدت سلطات الاحتلال مليار دولار وربع المليار لشق الطرق.
المصادقة على مقترحات الضم ستكون في أعقاب الرفض الفلسطيني المتوقع ل«خطة ترامب»، وسيدل ذلك على أن حكومة «إسرائيل» تعتزم الانتقال إلى سياسة «ضم قانوني» ما يعني إعادة السيطرة عسكريا على الضفة مع ما يتبع ذلك من عنف لاحقا، لكن المهم بالنسبة لليمين الحاكم هو السيطرة على فلسطين التاريخية ومنح الفلسطينيين مجرد إقامة بلا أية حقوق.
والمهمة الثانية لحكومة نتنياهو هي إقرار قانون جديد في الكنيست يمنحه حصانة من المساءلة القضائية حيث تنتظره تهم فساد كثيرة كفيلة بنقله الى السجن، لكنه يأمل ان يتوحد اليمين لإقرار القانون ما يجعله ينجو من المثول أمام القضاء. ولهذا فإن نتنياهو يحاول إرضاء شركائه في الائتلاف المنتظر بتوسيع حكومته الى 26 وزيراً بدلا من 18، واسترضاء الأحزاب الدينية المتزمتة بمنحها مناصب واموالاً لمؤسساتها الدينية التلمودية وإعفاء الشبان المتدينين من الخدمة العسكرية. لكن حليفه السابق افيغدور ليبرمان يصر على اقرار قانون الخدمة العسكرية الإجبارية للمتدينين ويهدد بعدم الانضمام الى حكومة نتنياهو.
فليبرمان، الذي تشكّل مقاعده الخمسة قوة حاسمة لأي حكومة مقبلة سيسعى إلى طلب حقيبة الأمن مرّة أخرى، وسن قانون تجنيد الحريديين، بصيغته الحاليّة، الذي سبّب الجدال حوله تفكّك الحكومة السابقة وتبكير الانتخابات «الإسرائيليّة» لكنه في النهاية لن يستطيع البقاء في المعارضة.
وتشير الصورة الحالية إلى أن حكومة نتنياهو المقبلة ستواجه أزمات مكرّرة عن أزمات حكومته السابقة، بين اليمينيين العلمانيّين (مثل حزب ليبرمان) والمتدينين الذين يعارضون، بالإضافة إلى قانون التجنيد، والعمل أيّام السبت.
الأسابيع المقبلة ستشهد حراكا داخلياً «إسرائيلياً» لمصلحة نتنياهو الذي يبدو وكأنه يتصرف كسلفه شارون الذي كان يلقب ب«ملك إسرائيل». ففي النهاية فإن نتنياهو عمليا ينفذ فكر شارون الذي كان يسعى قبل غيابه الى ضم أغلب الضفة ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً تحت الاحتلال وهذا هو جوهر «صفقة ترامب». أما حكومة غزة وحكومة رام الله فلهما اللهّ!!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"