الفشل الدولي في مقاربة الإرهاب

02:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

في الوقت الذي يتمدد فيه الإرهاب في الشرق الأوسط، ويتمكّن من ضرب عواصم أوروبية مختلفة، بين حين وآخر، فإن المقاربة الدولية للإرهاب لا تزال تركز، بشكلٍ رئيسي، على الجانب الأمني، الذي يتطلب المزيد من التعاون الاستخباراتي بين الدول، وصرف أموال طائلة على مؤتمرات وبرامج مكافحة الإرهاب، وما يتزامن مع هذا الجانب الأمني من تسليط الضوء على جوانب معينة دون أخرى، التي أدت إلى ارتفاع منسوب «الإسلاموفوبيا» في العالم، خصوصاً في الغرب، من دون التطرق إلى الفشل الدولي في مقاربة قضية الإرهاب، وهو ما يعكسه الفشل في الاتفاق على توصيف محدد للإرهاب، خصوصاً لجهة التباين في قوانين الإرهاب بين دولة وأخرى.
وقد آثرت الولايات المتحدة، مستندة إلى تعاطف دولي كبير معها، بعد أحداث سبتمبر 2001، أن تكافح الإرهاب عبر ما تمتلكه من فائض القوة العسكرية، فقامت بغزو أفغانستان أولاً، ومن ثم احتلال العراق، معتقدة أن القضاء على «القاعدة» وقادتها هو الحل الأمثل لإنهاء الإرهاب، وحماية المصالح الأمريكية والغربية من هجمات محتملة في المستقبل، وقد تلا هذا السلوك العسكري إجراء تغييرات في قوانين الأمن الوطني الأمريكي، وإنشاء عشرات الهيئات والوكالات المختصة بالقضايا الأمنية، مع ميزانيات ضخمة، وقد كشفت الأحداث لاحقاً أن هذا السلوك لم يثمر نتائج مهمة، بل إنه أدى إلى زيادة مساحة الإرهاب في العالم، كما أن أجيالاً جديدة من التنظيمات الإرهابية راحت تولد وتنمو، وليس «داعش» إلا أحد تلك التنظيمات.
لم تسعَ الولايات المتحدة، ولا أوروبا، إلى إعطاء الخلل في العلاقات الدولية أية أهمية تذكر في محاربة الإرهاب، بل إن التوجه الأمريكي نحو التفرّد في إدارة العالم أظهر شكلاً جديداً من الانتهازية في السياسة الخارجية، من دون أية حسابات منطقية لنتائج الخلل في العلاقات الدولية على ظهور ولادات جديدة للتنظيمات الإرهابية، وبخبرات وإمكانيات أوسع من ذي قبل، قادرة على إحداث حالة من الاضطراب والفوضى التي قد تمتد إلى عقود مقبلة.
لقد تبنت الإدارة الأمريكية في البرامج التي أطلقتها في إدارة جورج دبليو بوش عملية دعم الدول في ما وراء البحار، من أجل محاربة التنظيمات الإرهابية، وخصّصت للكثير من الدول ميزانيات سنوية لهذا الغرض، كما فرضت على دول أخرى التعاون معها استخبارياً من أجل تعقب الإرهابيين، من دون النظر إلى طبيعة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة في تلك الدول.
وخلال ولايتي الرئيس باراك أوباما، تبدّلت الاستراتيجية الأمريكية، وهو ما أفصح عنه الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، لكن هذا الانسحاب نفسه لم يلتفت إلى المشكلات التي يمكن أن تنجم عنه، خصوصاً أنه ترك لإيران أن تقوم بترتيب الأوضاع الأمنية، وهو ما نتج عنه في المحصلة زيادة الانقسامات الداخلية، وزيادة الشرخ في العقد الاجتماعي العراقي، وزيادة منسوب الطائفية، خصوصاً في المجال السياسي، وهذا الانسحاب الأمريكي يدلل مرة أخرى على عقلية تجريبية في السياسة، حيث يتحول الآخرون إلى حقول تجارب، من دون النظر إلى التكلفة الكبيرة التي تدفعها الشعوب، من جراء الممارسات الأمريكية الخاطئة.
وخلال السنوات الماضية من عمر ما يسمى «الربيع العربي»، حدثت موجة لجوء كبيرة إلى أوروبا، وعاد الإرهاب ليضرب عواصم القارة العجوز، ومع ذلك فإن السياسات الغربية كانت خجولة تجاه الملفات الحساسة في منطقة الشرق الأوسط، وقد آثرت التعامل مع نتائجها، من مثل قضية اللاجئين، من دون التعامل مع أسبابها، خصوصاً استعصاء الحل السياسي، كما في المسألة السورية. وينم هذا السلوك عن فقدان الريادة السياسية، وغياب الإرادة، من دون النظر إلى ما قد يترتّب على مثل هذا التوجه على المدى البعيد، خصوصاً في زيادة العمليات الإرهابية التي يمكن أن تتحول إلى حدث يومي في العواصم الأوروبية.
لقد كشفت المسألة السورية عن وجود تباينات كبيرة بين القوى الدولية في فهم هذه المسألة، وعلى الرغم من الاتفاق الظاهري بين تلك القوى على محاربة الإرهاب إلا أن السلوك العملي لها يكشف عن وجود هوة واسعة في فهم أسباب الإرهاب، وطرق معالجته، وتركيز بعض الدول على الحلول العسكرية، وهو ما يعني استمرار النظرة الجزئية إلى مسألة الإرهاب، والهروب من تقديم معالجات حقيقية، فعلى ما يبدو أن تكلفة المعالجات الأمنية والعسكرية أقل بكثير من المعالجات الشاملة، خصوصاً أن أية معالجة شاملة من شأنها أن تكشف عن وجود استثمار دولي لقضية الإرهاب، لتحقيق مصالح استراتيجية أكبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"