حالة العالم.. حساب ختامي

04:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

المفرطون في التشاؤم حول وضع العالم حاضره ومستقبله ليسوا على حق. والمسرفون في التفاؤل بشأن الحاضر السعيد والغد المشرق يجانبهم الصواب. العالم لم ولن يكون قطعة من الجحيم كما يرى الأولون، على الرغم من حروبه وأزماته وشروره. كما أنه لم ولن يكون تجسيداً للمدينة الفاضلة كما يبشر الآخرون، على الرغم من الاختراعات العلمية الباهرة والإنجازات الطبية التي أنقذت حياة الملايين. العالم هو كل ذلك: الخير والشر، الحرب والسلام الدمار والنماء، السفهاء والعقلاء.
بهذه النظرة الواقعية قدم عدد من الخبراء والمفكرين من مختلف الجنسيات رؤيتهم لحالة العالم، وأداء المجتمع الدولي وجهود التعاون العالمي. تقييم هؤلاء أصدرته في تقرير شامل هيئة رصينة تعرف باسم «مجلس المجالس»، وهي شبكة من 27 مركزاً بحثياً مرموقاً في مختلف القارات.
يصدر التقرير سنوياً بإشراف مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي الذي يستطلع آراء الخبراء البارزين في مراكز الأبحاث العالمية حول تقييمهم لجهود التعاون الدولي، والتحديدات التي تواجه العالم بين عام مضى وآخر بدأ. لا يكتفي التقرير بالرصد والتحليل ولكن يعطي درجة لمستوى التعاون الدولي. والتقرير الأخير عن 2018-2019 أعطى درجة «سي»، وهي درجة متوسطة، وإن كانت أفضل من النتيجة التي انتهى إليها تقرير العام الماضي.
حدد الباحثون مجموعة من الإيجابيات شهدها العالم العام الماضي وتستمر في العام الجاري أهمها نجاح الجهود الدولية في مواجهة «داعش»، حتى لو لم يتم استئصال خطره بالكامل إلى الآن. التطور الإيجابي الآخر هو الإصرار الذي يبديه المجتمع الدولي للحد من الانتشار النووي. وينوه التقرير بالحوار الذي بدأ بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وتم تتويجه بالقمة الثانية بينهما.
هناك تقدم آخر يتعلق باستمرار الجهود الدولية للحد من التغييرات المناخية. الثغرة الكبرى في هذا المجال هو الموقف السلبي للولايات المتحدة وانسحابها من اتفاقيات باريس للمناخ.
ومع ذكر أمريكا يبدأ التقرير في رصد السلبيات المستمرة بين العامين الماضي والحاضر، وأهمها تراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم، واتجاهها المتزايد للانكفاء على الداخل تطبيقاً للشعار الذي يتبناه الرئيس دونالد ترامب، وهو «أمريكا أولاً». خطورة هذا التوجه لا تكمن فقط في الانسحاب للداخل، ولكن الأهم هو تجاهل أمريكا لمسؤولياتها نحو استقرار النظام العالمي الذي أقامته وحافظت عليه بالتعاون مع حلفائها منذ الحرب العالمية الثانية.
خلق ترامب بتجاهله لمصالح الآخرين حالة من عدم الاستقرار والشك لدى الأصدقاء، لاسيما الاتحاد الأوروبي الذي يشعر قادته بقلق على نحو خاص بشأن مستقبل التعاون العسكري مع واشنطن في إطار حلف الناتو. أشعل ترامب هذا القلق برفضه تأكيد التعهدات الدفاعية لبلاده تجاه الأعضاء، وفجر حرباً تجارية لم تقتصر على الخصم الصيني؛ بل تعدته إلى الحلفاء الأوربيين لاسيما ألمانيا، ولم تضع حرب التعريفات الجمركية أوزارها بعد.
يُحمّل التقرير ترامب مسؤولية عدم الاستقرار في أنحاء كثيرة بالعالم بسبب غموض سياسته وتراجعه عن تحمل المسؤوليات التاريخية لبلاده، مما يسبب فراغاً تتقدم قوى إقليمية لشغله. كما يحمله مسؤولية خاصة عن صعود التيار اليميني والشعبوي في أوروبا، وقبلها أمريكا بالطبع.
لا تأتي المشاكل من أمريكا فقط، فالتقرير يرصد تحديات أخرى خطيرة، منها على سبيل المثال، أن 37% من سكان العالم يعيشون في مناطق مصنفة على أنها ليست حرة؛ أي يفتقدون لحقوقهم الإنسانية الأساسية، ومنها أيضاً أن تكلفة الفساد في الاقتصاد العالمي بلغت 2,6 تريليون دولار على الأقل، وهو رقم مفزع يمثل 5% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
أخيراً يطلق التقرير صيحة تحذير من ارتفاع حرارة الأرض، مؤكداً أنه في حالة ارتفاعها بمقدار 1,5 درجة مئوية فقط، ستكون هناك عواقب كارثية على الكون وعلى مستقبل الحياة على سطحه.. إنه التحدي المصيري الذي يهدد الإنسانية.
وبينما يواصل البشر حروبهم لا يدرون أن الخطر القادم سيجرف الجميع، ولن يكون هناك منتصر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"