«إسرائيل».. انتصار تحالف الشياطين!

02:18 صباحا
قراءة 5 دقائق

حلمي موسى

أثبتت الانتخابات «الإسرائيلية» صدق الخلاصة الفكرية القائلة، إن الدولة العبرية تجنح بشكل دؤوب وثابت نحو أقصى الالتفاف على تهم فساد اليمين. ولم تغير من هذه الخلاصة حقيقة الاتهامات المتراكمة ضد زعيم اليمين بنيامين نتنياهو بالفساد، بما في ذلك في قضايا تتعلق بالأمن القومي الصهيوني.
نجح «تحالف الشياطين» الذي يضم نتنياهو (الليكود) وأحزاب أقصى اليمين، في تحقيق فوز واضح وصريح على ما يعرف بالوسط واليسار في الكيان، رغم اجتماع ثلاثة رؤساء أركان سابقين للجيش على رأس المعارضة. واعتبر مراقبون أن من انتصر في الانتخابات ليس نتنياهو شخصيا وحسب، وإنما «الثقافة، والأسلوب والقيم السائدة في حكمه والمعروفة جيدا للناخب بعد عشر سنوات من حكمه المتواصل، وحصيلة 13 سنة من البيبية»، وفق افتتاحية صحيفة «هآرتس».
ومن المؤكد أن نتائج الانتخابات خيبت آمال كل من كانوا يعتقدون بإمكانية تغيير النهج اليميني الفاشي القائم على الصعيدين الداخلي والخارجي خصوصا بعد أن تبين أن حزب «أزرق أبيض» الذي نافس الليكود كان نسخة كاربونية عنه. فقد ظهرت الانتخابات ليس بوصفها تنافساً بين برنامجين سياسيين، اقتصاديين وفكريين وإنما مجرد تنافس على الزعامة بين نتنياهو والمعترضين عليه. وليس صدفة أن شعار «أزرق- أبيض» كان «المهم ليس بيبي» بمعنى أن الهدف هو أن لا يعود نتنياهو مرة أخرى إلى الحكم ما أبعد عن الانتخابات كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية العامة. وفيما بدا اليمين عموما والليكود خصوصا شديد الوضوح في كل مواقفه، بما في ذلك نزوعه نحو الفاشية داخليا وإصراره على رفض السلام، اتسمت مواقف «أزرق أبيض» بالضبابية.
عموما نجح نتنياهو في تحقيق الفوز لحزبه بأن نال أكبر عدد من الأصوات والمقاعد (36 مقعدا) ليغدو الحزب الأكبر ولمعسكره اليميني بأن نال 65 مقعدا. وفي المقابل فإن ما كان يعرف باليسار الصهيوني كاد أن ينسحق إذ لم ينل حزب العمل التاريخي سوى 6 مقاعد ونالت حركة ميرتس 4 مقاعد فقط. أما حزب «أزرق أبيض» الذي تحالف تحت رايته كل معارضي نتنياهو من الوسط وبعض اليسار فإنه نال 35 مقعدا. وتراجع تمثيل القائمة العربية بعد انقسامها إلى قائمتين من 13 نائبا إلى عشرة فقط فيما تراجع تمثيلهم عموما من 15 نائبا إلى 12. وفي المقابل ازداد عدد النواب الحريديم والمتدينين القوميين بشكل ملحوظ حيث باتوا يشكلون ربع الكنيست الحالية. وبين هؤلاء 17 حريديا 15 منهم في حزبي«شاس» و«يهدوت هتوراه» وآخران في أحزاب أخرى إضافة ل 14 متدينا قوميا.
غير أن الانتخابات الأخيرة أفرزت وصول أكبر عدد من كبار العسكريين إلى الكنيست. فهناك فقط في قيادة حزب «أزرق أبيض» ثلاثة رؤساء أركان سابقين هم بني غانتس وغابي أشكنازي وموشي يعلون. وإلى جانب هؤلاء هناك خمسة جنرالات يخدمون في الاحتياط وهم يؤآف غالانت وعوزي ديان من الليكود، وطال روسو من حزب العمل وشتيرن بربيباي من حزب أرزق- أبيض. ومن المؤكد أن وجود مثل هذا العدد من كبار الجنرالات في الكنيست سيزيد من حدة السجالات الأمنية في المستقبل القريب.
ولا بد من الإشارة إلى أن الكثير مما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب على صعيد وجهة حكومة نتنياهو الجديدة يعتمد على مآل توصيات المستشار القانوني للحكومة «الإسرائيلية» بشأن ملفات الفساد المتهم فيها رئيس الحكومة. وقد شاعت في الشهور السابقة تقديرات بأن أحد دوافع نتنياهو في تقديم موعد الانتخابات كانت رغبته في تلافي تقديم لائحة اتهام ضده في قضايا الفساد. كما أشيع أنه يسعى لجعل تأييد سريان «القانون الفرنسي» الذي يمنع محاكمة رئيس حكومة أثناء توليه مهام منصبه، شرطا لدخول حكومته.
وواضح أن من قالوا للناخبين أنهم سيؤيدون بقاء نتنياهو رئيسا للحكومة، وهم أعضاء كل من الليكود وشاس ويهدوت هتوراه و«اتحاد اليمين» و«كلنا» و«إسرائيل» بيتنا»، يؤيدون استخدام صلاحيات التشريع لسن قوانين تهدف إلى منع تقديمه للمحاكمة. ومعسكر اليمين هذا يؤيد بشكل تلقائي سن قوانين جديدة تزيد من حدة العنصرية في دويلة الاحتلال على نمط قانون القومية الذي يشطب قيمة المساواة بين المواطنين العرب واليهود ويشدد على التفوق العرقي اليهودي. فالثقافة السلطوية السائدة في اليمين تتعمد استهداف الأقلية العربية والمعارضة عموما وتعتبرهم طابورا خامسا. وليس أقل وضوحا أن تزايد قوة معسكر المتدينين (الحريديم والقوميين) سيزيد من إصرارهم على التصدي لما تبقى من مبادئ الليبرالية الداخلية التي تقودها المحكمة العليا لصالح سن قوانين تستند إلى الشريعة اليهودية.
ولكن اليمين لا يتخذ مواقف فقط ضد فلسطينيي مناطق 48 وإنما أيضا ضد فرص السلام مع العرب. فاليمين الحاكم، كان ولا يزال يرفض أي حل سياسي للصراع العربي - «الإسرائيلي» يقوم على أساس مبدأ «دولتين لشعبين» وهو يواصل سياسة الاستيطان الزاحف بكثافة متزايدة. ووجد هذا اليمين مؤخرا تشجيعا من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الذي اعترف، خلافا لكل مبادئ الشرعية الدولية وقوانينها، بالقدس عاصمة للاحتلال، كما اعترف بضم الجولان السوري المحتل. ويؤمن كثيرون أن نتنياهو يتطلع لأن ينال التسويغ الأمريكي لضم الكتل الاستيطانية أو بعضها خلال ولايته الجديدة. وكان نتنياهو قد أعلن عن نيته هذه أثناء حملته الانتخابية وهو ما لم يواجه بأي تنديد أمريكي، بل إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال في مقابلة صحفية أنه لا يرى ضيرا في هذا الكلام.
ومن شبه المؤكد أن «التسوية» الأمريكية، وبصرف النظر عن مدى تأييدها للمطامع «الإسرائيلية» في أرض فلسطين، تجد من اليمين الصهيوني الحاكم معارضة إذا ما اشتملت على أية تعابير سيادية فلسطينية على «أراض» في الضفة الغربية. ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يمكن لليمين تقبله على هذا الصعيد هو اعتبار الدولة الفلسطينية في غزة «تنازلا» من جانبهم عن جزء من «أرض «إسرائيل». ويعتقد معلقون ومحللون صهاينة وعرب وأمريكيون أن الصفقة الأمريكية، على الأقل بما أشيع عنها حتى الآن، ليست قابلة للتحقيق. وأنها في أفضل الأحوال ستشكل أرضية لهجمة استيطانية جديدة بعد أن يبدي نتنياهو تجاهها قبولا صوريا مع تحفظات ويرفضها الفلسطينيون والعرب.
الأنظار سوف تتجه من جديد نحو تعاطي نتنياهو وحكومته مع قطاع غزة. فالانتخابات انتهت والتهدئة لا يمكن أن تبقى في ظل استمرار الحصار ومواصلة قضم أراضي الضفة الغربية. وعدا ذلك فإن عددا من حلفاء نتنياهو، خصوصا أفيغدور ليبرمان سيجعلون من قضية قطاع غزة عنوانا لمشاركتهم في الحكومة. في كل حال ثمة من يرى أن حكومة نتنياهو الجديدة هي استمرار لحكومته السابقة ولكن بطريقة أشد تطرفا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"