حكايات التراث في معرض الحنين إلى «طعم زمان»

حب وهيام للقرية اللبنانية وناسها وتاريخها
00:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: سهيلة ناصر
في «قصر الأونيسكو»، الصرح الحاضن للثقافة، كانت حكايات عن التراث بصورة معرض، رحلة ملؤها الحنين إلى عبق الماضي، في مشهد فني قروي متكامل يحاكي كل ما له علاقة ب «من زمان»، تراث الآباء والأجداد وجذور عراقة تاريخ وحضارة، أصالة الحياة القروية، وتراث البيوت القروية، وجمال المفردات الريفية، على بساطة وطيبة أهلها وناسها.
إنه موسم العودة إلى «طعم زمان»، واستحضار الصور القديمة المختزنة في الذاكرة اللبنانية، يجسد دلالة العمق الحضاري والمعماري، بإطار ثقافي وفني، بأجواء غير تقليدية في عالم المعارض الفنية، تغني المشهد الثقافي التشكيلي.
ما إن تطأ قدماك، صالة العرض، حتى يأخذك ذاك الحنين شوقاً، يعزف على أوتار ذكريات العمر، فما تراه العين من لوحات تشكيلية، منحوتات، أعمال تجهيزية، إلى الملابس الفولكلورية والأغراض القديمة، يشكّل تذكاراً وعنواناً لجيل الأمس، ودرساً وشعلة عز لجيل اليوم.
حضور لافت، وقف مدهوشاً، عبارة «يا حسرة.. ع الماضي الجميل»، سمعناها تتكرر على لسان أكثر من زائر، حب الاستطلاع وعيش أجواء القرية القديمة، كان محط إعجاب الفئة الشبابية، وفي ذلك تأكيد نجاح الفنانين في إيصال الرسالة، من خلال «أعمال تمنح الحياة للتراث كي لا يغطيه غبار الزمن»، كما عبّر أحدهم.
عشرات اللوحات صاغها أكثر من 60 فناناً وفنانة، بريشة قوامها الحب والهيام للقرية اللبنانية وناسها وتاريخها، في لوحة كل فنان مشهد أراد إيصاله.. لوحات يحفزك بعضها على السؤال عن أمكنتها؟.. ليأتي الجواب: «من كل لبنان.. نحن نعتبرها هويتنا».
ريش تحكي وترسم كل ما هو في الذاكرة... الناظر إلى المنازل القروية، يرى مشهداً لذلك التراث الأصيل بمبانيه العتيقة، وشكلاً هندسياً يبعث على الشموخ والصمود.. بأحيائها وأزقتها ودرب العين...منازل تصخب بالحياة، لوحات تعكس أيام الألفة والبركة والنفوس الطيبة، وسهرات أهل الضيعة وجلسات الرجال في ساحة القرية يتسامرون..نفذتها ريشة الفنان أحمد عبد الله، مستعيداً أجواء ما في ذاكرته من مخزون، كما يقول.. لوحات عن رجال من الماضي، صلابة ونخوة وحمية وتماسكاً..المرأة القروية بالزي القروي حضرت بقوة، بصور وأشكال متعددة، المرأة الفلاحة والمزارعة والأم، لعل أبرزها، في منحوتة الفنان سعيد زيدان، «المرأة حاملة السراج»، في ظلام داكن، وما إن يضاء السراج، حتى يصبح كل شيء منيراً.. لوحات تشتم منها رائحة الزعتر والزيتون وخبز الصاج والتنور، وأخرى يشم منها رائحة القهوة العربية، عنوان كرم الضيافة العربية، في ريشة الفنان هشام طقش.. مشاهد من طقوس القرية الريفية، وعادات وأفراح ناسها، وعراقة تراث، عن الدبكة اللبنانية، كانت حاضرة في أعمال الفنانة ليليان خوري، «مع تنهيدات الأسف لخسارة تلك الأيام».
في مشاركة رمزية، قدم المرمم والنحات عصام خير الله، لوحتين من مسقط رأسه، غبالة، «فتوح كسروان»، بإطار مشهد طبيعي يميل إلى التجريد، بألوان الطبيعة، «دعوة للعودة إلى الأرض وتراب ألوانها»، كما قال، الأمل يبرق من عينيه، وهو يجول بين أعمال الفنانين، معبراً عن فرحته «بالمبادرة الشبابية من الفنانين في تجسيد لوحات فنية، تمثّل الوجود اللبناني التاريخي، وجمع الماضي مع الحاضر بالتراث والتاريخ والأفق الجميل، في وقت يغفل الإعلام عن الاهتمام بالأمر».
عند جناح زاخر بالأبواب والشبابيك وشرفات مرّ عليها الزمن.. منها المنسي، والمفكك، إلى البيت اللبناني التراثي، في مجسمات خشبية تحاكي أصالة العمارة اللبنانية بقناطره، وقرميده، وحجارته وسقوفه الخشبية، والعشب المهمل على الحيطان المتروكة، والأدراج المبرية بالتآكل.. لا بد أن تتوقف تأملاً بأعمال الفنان أندريه كالفايان، المتأثّر إلى حدّ كبير بمدينة الحرف «بيبلوس»، الذي ترعرع فيها. في لوحات تحتفي بشيوخ المهن والحرف التراثية..كان تكريم فني، من الشابة رفيف عواضة، «للعم محمد سلوم»، كما تناديه.. أقدم كندرجي الإسكافية. في «النبطية».. استقال من مهنة العمر.. ومصلح «بوابير» السمكري من منطقة «صيدا»... بلوحتين، بأسلوب واقعي، في محاولة لاسترجاع ذكريات عن مهن اندثرت. وثمة عمل فني من الفنانة فاطمة سامي، تمثّل برسم الخريطة اللبنانية، محاطة بشكل رجل شامخ لا تهزه الريح، وامرأة جالسة تشير بإصبعها إلى تلك الخريطة من أجل الحفاظ على أصالتنا وحضارتنا.
أجنحة متعددة وصفت جمال الفن اللبناني التراثي، فرسمت الفنانة على الصاج، لوحتها التي تمثل صورة «الراوي الشعبي»، في جلسة عربية، على وقع حكايات التراث الشعبي، وقالت: «أرسم وأصمم التراث اللبناني كي أوثقه وأبرزه إلى الأجيال الجديدة، وأكدت أهمية الفن التشكيلي، وضرورة توظيفه في إحياء التراث الشعبي اللبناني، وإعادة بث الروح فيه وتجميعه؛ حفاظاً عليه من الاندثار النهائي».

المرأة حاملة الحليب

ضمن أعمال المعرض، عبرت «خلية الألوان»، للفنانة باسكال مسعود، المستمدة من خلية النحل، وثماني نحلات، عن الرحيق الفني الذي يصدره الأعضاء الثمانية المؤسسون، لملتقى ألوان الفني، المنظم للمعرض. واستحوذ عمل تجهيزي أدائي مباشر، على اهتمام وفضول الحاضرين، قدمته مجموعة من طلاب الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، جمع بين مارتيز وفارمير في لوحة واحدة. لتصبح لوحة فارمير «المرأة حاملة الحليب»، مجسدة بروحية مارتيز وألوانه.

جمالية للزوايا

جناح رسامة ومصممة الزي التراثي اللبناني، ليلى الأحمدية نويهض، أضفى جمالية على زوايا المعرض، حيث أعادت الطنطور، مخروطي الشكل، وكانت ترتديه السيدات على رؤوسهن، إذ يتلاءم علوّ الطنطور ومعدنه، بحسب الوضع الاجتماعي وثراء من تحمله، فالطنطور المصاغ من الذهب، كان حكراً على بنات العائلات الثرية، بينما كانت النساء الأقلّ ثراء يلبسن طنطوراً من الفضة، أو من الخشب، والطربوش الأحمر، كما الحذاء الملكي، والثوب الفولكلوري اللبناني إلى الساحة اللبنانية.. «وليبقى تراثنا بخير».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"