الأدلة العلمية من منظور شرعي

02:00 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

ما زال الجدل قائماً حول ثبوت رؤية هلالي رمضان وشوال بوساطة المراصد الفلكية، فمن العلماء من شدّد وقال: لا يجوز الاعتماد على الآلات والمراصد، لأن الحديث قال: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته».
والضمير في «لرؤيته» راجع إلى الهلال طبعاً، فيشترط أن يُرى الهلال بالرؤية البصرية.
وآخرون ذهبوا مذهباً معتدلاً وقالوا: إن الرؤية غير مقيدة بالرؤية البصرية، فمتى رؤي الهلال بالعين المجردة أو بوساطة المكبرات أو المراصد، ثبتت الرؤية لأن الهدف التحقق من دخول الشهر وخروجه.
ومثل هذا الاختلاف يرد حول اعتماد الأجهزة والآلات في إثبات الجرائم أيضاً، فمتى قلنا بأن الشرع يحرّم الاستعانة بالأجهزة والآلات في إثبات الجرائم، حكمنا على المختبرات الجنائية والطب الشرعي بأن نتائجها غير معترف بها، في حين أن القانون الوضعي اليوم يعتمد نتائج المختبرات، ويعترف بالأدلة العلمية التي هي تحت مسمى القرائن في الفقه الإسلامي.
وفي حاشية ابن عابدين ج5 ص 354 نقرأ: لو ظهر إنسان من داره بيده سكين، وهو ملوث بالدم سريع الحركة، عليه أثر الخوف، فدخلوا الدار على الفور، فوجدوا فيها إنساناً مذبوحاً بذلك الوقت، ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج، فإنه يؤخذ به وهو ظاهر إذا لم يمار أحد في أنه قاتله، والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذا لم ينشأ عن دليل.
إذن هذا النص الفقهي صريح في أن الدليل العلمي أو المادي يؤخذ به متى كان واضحاً في دلالته على وقوع الجريمة.
لكن يا ترى هل الأدلة العلمية تعتبر في إثبات كل الجرائم، أم أن هناك ما استثناه الشرع والقانون؟
قلنا في أحد مقالاتنا إن الجمهور من الفقهاء حصروا طرق الإثبات في وسائل معينة، وهكذا فعل القانون الوضعي مع «الأدلة القانونية» حيث إنه اعتبر أدلة قانونية معينة منها وليس كل الأدلة.
وبناء على هذا نجد أن القانون الوضعي لم يعط الحرية المطلقة للقاضي في إصدار حكمه بناء على تكوين عقيدته الحرّة، بل قيده بأدلة معينة، مثلما لو كانت الجريمة جريمة زنا.
وفي جريمة زنا الزوجة يجوز للقاضي أن يقتنع بالأدلة الدالة على ذلك في حالة:
- أن يكون القبض على الشريك في حالة تلبسه بالفعل.
- أن يعترف المتهم على نفسه.
- أن توجد مكاتبات أو أوراق مكتوبة من المتهم.
- أن يوجد الشخص في منزل في المحل المخصص للنساء.
وذكرت دار الإفتاء المصرية في الفتوى رقم 5 لسنة 2009 بأن الوسائل العلمية الحديثة لا يؤخذ بها في إثبات جريمة الزنا، وأكدت الفتوى أن الشرع يراعي أسباب الإثبات تقديراً للعديد من الأسباب النفسية والاجتماعية والأسرية، وغاية ما يمكن أن يقال في الوسائل العلمية إنها أقيمت مقام الشهود الأربعة والمقرر في قواعد الإثبات الشرعية.
وما أقيم مقام الغير لا يوجب الإثبات، لأن اليقين هو عدم الزنا، ولا يزول اليقين بأدلة ظنية أو ترجيحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"