«مجزرة المسجدين».. وبناء جبهة عالمية لمواجهة التطرف

03:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

شكلت مجزرة مسجدي «كرايس تشيرش» بنيوزيلندا والتي راح ضحيتها 51 شهيداً وعشرات الجرحى على أيدي أحد الإرهابيين العنصريين البيض، نقطة تحول في ظاهرة الإسلاموفوبيا، أي الخوف من الإسلام، وكذلك نقطة تحول خطيرة في ظاهرة التطرف في الغرب، حيث انتقلت من مرحلة الكراهية والتحذير من الإسلام والجاليات الإسلامية واعتبارها تهديداً لهذه المجتمعات، إلى مرحلة ارتكاب الأعمال الإرهابية ضد المسلمين.
هذه المجزرة كانت نتاجاً لتنامي الكراهية والتطرف في العالم بشكل عام والغرب بشكل خاص وساعد فيها عدة عوامل:
* أولها: صعود اليمين المتطرف في الغرب وما يعرف بالشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا، فهذا اليمين يقوم على فكرة نقاء العنصر الأبيض المسيحي، ومن ثم معاداة كل ما هو يخالف ذلك، سواء عرقيات أو أديان مختلفة مثل الإسلام وغيره، وقد اتخذ هذا اليمين أشكالا مؤسسية تمثلت في حركات وأحزاب سياسية استطاعت أن تصل إلى السلطة في بعض البلاد الأوروبية مثل حزب رابطة الشمال وحركة خمس نجوم في إيطاليا، كذلك استطاعت بعض أحزاب اليمين المتطرف الوصول إلى البرلمان في بعض الدول مثل ألمانيا وهولندا والنمسا والسويد وغيرها، وقام اليمين المتطرف بتوظيف قضايا اللاجئين والهجرة غير المشروعة والأعمال الإرهابية التي شهدتها بعض الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة، لدعم نفوذه في تلك المجتمعات، ولتحقيق أهداف ومآرب سياسية للوصول إلى السلطة تحت دعاوى التحذير من مخاطر تغيير هوية المجتمعات الأوروبية بسبب تدفق الهجرة واللاجئين، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة بسبب مزاحمة هؤلاء المهاجرين للفرص المتاحة لأبناء تلك المجتمعات من البيض. ولذلك شهدنا نوعاً من التنافس والمزايدة بين الأحزاب المتشددة على تبني خطابات معادية للأجانب بشكل عام وللعرب والمسلمين بشكل خاص، وهو ما هيأ البيئة لظهور بعض العناصر المتطرفة التي تقوم بالاعتداء على المهاجرين والجاليات الإسلامية في أوروبا، حيث شهدت السنوات الأخيرة أكثر من مئة اعتداء على المسلمين في أوروبا سواء على الأشخاص أو المساجد وغيرها، وكانت مجزرة «كرايست تشيرش» ترجمة لهذه الموجة من التطرف والكراهية والعنصرية تجاه الأجانب.
ومن ناحية أخرى، فإن تصاعد ظاهرة الشعبوية، التي تتمثل في بعض السياسيين الذين يصلون إلى السلطة عبر خطاب شعبوي جماهيري يتجاوز المؤسسات التقليدية مثل الأحزاب، شكل بدوره أيضاً أحد عوامل تغذية بيئة التطرف، حيث أصبح هناك تحالف بين الشعبويين واليمين المتطرف في الغرب، وكلاهما يستخدم قضايا المهاجرين واللاجئين والأقليات الدينية كوسيلة في لعبة السياسة والمنافسة وتغذية خطاب الكراهية تجاه الآخر.
* ثانيها: شكل صعود التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الإسلامية مثل تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» و«حركة شباب المجاهدين» و«جماعة بوكو حرام» وغيرها، أحد عوامل صعود وتنامي تيار التطرف في الغرب، حيث قامت تلك الجماعات والحركات الدينية الإسلامية بتوظيف الإسلام لتحقيق أغراض سياسية للوصل إلى السلطة في مجتمعاتها، وقامت بكل صور العنف والقتل والإرهاب والذبح على الهواء باسم الدين والدين منها براء، كما قامت تلك التنظيمات بالقيام بعمليات إرهابية وتفجيرات في العديد من الدول الأوروبية، وساهم كل ذلك في تقديم صورة مشوهة عن الدين الإسلامي الحنيف الذي ينبذ العنف والقتل ويحض على التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، كما أنها أعطت الفرصة والذريعة للتيارات المتطرفة في الغرب للربط بين الإسلام والمسلمين والعرب وبين الإرهاب وتصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، كرسته بعض وسائل الإعلام الغربية التي سعت إلى ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر، ولذلك أصبحنا أمام مشهد يتنافس فيه التطرف مع التطرف وأصبح اليمين الأوروبي المتطرف الوجه الآخر من العملة للتنظيمات الدينية الإرهابية مثل «داعش» وغيره، وأصبح العالم يدفع ثمن هذا التطرف.
* ثالثها: ضعف التيارات المعتدلة في مواجهة صعود تيارات التطرف في الغرب، فمن ناحية لم تنجح سياسات الاندماج الغربية في دمج الجاليات والأقليات الدينية والمهاجرين في مجتمعاتها، وعاشت تلك الجاليات في أوضاع اقتصادية بائسة على هامش المجتمع فيما يعرف بمدن الصفيح والأحياء الفقيرة، مما شكل بيئة مواتية لنمو الأفكار المتطرفة وانضمام الكثير من أبناء هذه الجاليات لتنظيم «داعش»، ومن ناحية أخرى فشلت الكثير من الجاليات العربية والإسلامية في الغرب في الاندماج مع مجتمعاتها وتحقيق التوازن بين ثقافتها وثقافة تلك المجتمعات.
* رابعها: إن صعود التنظيمات الإرهابية من ناحية والتطرف في الغرب من ناحية أخرى، يحمل تداعيات خطيرة وكوارث كبيرة على العالم، لأنه يغذي خطاب الكراهية وصراع الثقافات والحضارات والأديان، مما ينذر بعواقب وخيمة على الجميع، خاصة مع استحضار البعض لصراعات القرون الوسطى بين المسلمين والغرب،.
ولذلك فإن مجزرة المسجدين بنيوزيلندا تدق ناقوس الخطر وتدفع العالم باتجاه الاستنفار والاحتشاد خلف العقلانية وسرعة مواجهة تلك الظاهرة قبل تفاقمها وصعوبة السيطرة عليها، وهذا يتطلب أولا: سن تشريعات حازمة ورادعة ضد ظاهرة التطرف والعنصرية وكراهية الآخر، وذلك على المستوى المحلي داخل المجتمعات الأوروبية لمواجهة اليمين المتطرف، أو على المستوى العالمي من خلال اتفاقية جديدة تحت مظلة الأمم المتحدة تجرم كل أشكال الكراهية والعنصرية ومعاداة الأجانب والأقليات الدينية والعرقية، وتضع الإجراءات العقابية والكفيلة بمواجهة تلك الظاهرة. وثانيا أهمية دور المؤسسات الدينية في تقديم الخطاب الديني الوسطي المعتدل وسحب البساط من تحت أيدي الجماعات الدينية المتشددة، ويمكن هنا البناء على «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها كل من شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس في الإمارات العربية المتحدة، لتكون صمام أمان ضد التطرف والكراهية، إضافة لأهمية تكاتف جهود المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وكل ذلك من أجل بناء جبهة عالمية ضد الإرهاب والتطرف.


* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"