الجزائر.. الفساد ومأزق الرئاسة

03:35 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. محمد عز العرب *

لا تلوح في الأفق حتى الآن مخارج لحل الأزمة الجزائرية منذ تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2 إبريل الماضي، بما يؤدي إلى تهدئة الحراك الشعبي الذي يطالب بإقالة بقايا رموز الحكم ومواجهة بقية رؤوس النظام السابق وعدم إجراء انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 4 يوليو المقبل، الأمر الذي يشير إلى إطالة المرحلة الحالية، لا سيما في ظل التباين في الرؤى بين قوى الشارع وقيادة الجيش، بل إن ثمة خلافاً داخل قوى الحراك ذاته.
تمثل هذا التباعد في عدة مؤشرات رئيسية، على نحو ما عكسته التفاعلات السياسية خلال الأسبوعين الماضيين، على النحو التالي:


مقاييس مزدوجة:

1- الانتقائية في مواجهة رموز الفساد، إذ لم تطل الإجراءات كل أفراد «جماعة» النظام السابق. فقد طالب أحد أحزاب المعارضة «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» في بيان صادر بتاريخ 25 مايو الجاري، ب«سماع أقوال عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الدولة عن نشاط مساعديه»، حيث رفض الحزب ما أسماه «الطابع الانتقائي» الذي أخذه سجن رموز النظام، الذين تمثلوا في مسؤولين مدنيين مثل أحمد أويحيى وعبد الملك سلال وعمار غول وعمارة بن يونس وكريم جودي وحسين نسيب وعبد القادر زوخ، وعسكريين كمديري جهاز المخابرات سابقاً محمد مدين وبشير طرطاق، فضلاً عن رجال أعمال بارزين مثل السعيد بوتفليقة وعلي حداد.
كما دعا الحزب إلى «استغلال جميع فضاءات النضال والنقاش والتضامن لإحباط مخططات ومرامي دعاة الثورة المضادة، وإن الذعر الذي استبد بمراكز القرار في هذه الجمعة الرابعة عشرة من المظاهرات يبين أن عزيمة الشعب هي السبيل الوحيد للإجهاز على نظام سياسي لم يقم لجوره وظلمه حدوداً». في حين لم توجه تهم محددة لأحد وزراء الدفاع السابقين مثل اللواء خالد نزار، وهو ما اعتبره البعض مقاييس مزدوجة.

تهمة التآمر:

2- الاتهامات الفضفاضة الموجهة لرموز القوى السياسية، ورؤساء الأحزاب المعارضة بل والمسؤولين السابقين بالتآمر على سلطة الدولة، على نحو ما حدث مع رئيسة حزب العمال لويزة حنون، بحجة أنها التقت بمحمد مدين (الملقب بالجنرال توفيق) والسعيد بوتفليقة في 27 مارس الماضي لبحث قضايا تخص شؤون الدولة والحكم مع أشخاص لا يشغلون مناصب تسمح لهم بذلك. وقد عدت قيادة الجيش هذه المساعي والاتصالات بمثابة «مؤامرة على الدولة» لأن قوى غير دستورية (السعيد وتوفيق) تقف وراءها.
ولعل ما حدث أيضاً مع رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز يفسر ذلك أيضاً حينما استدعته المحكمة العسكرية مؤخراً لسماع أقواله بخصوص اتصالات مع رموز في الدولة، وتحديداً السعيد بوتفليقة، بشأن المخارج الدستورية والقانونية للمأزق الحاد الذي تسبب فيه ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، الأمر الذي أسهم في خروج الجزائريين لساحات الاحتجاج في 22 فبراير الماضي، وتم التداول بشأن أسماء لقيادة المرحلة الانتقالية. كما سبق أن صرح الرئيس السابق اليمين زروال بأن مدين اتصل به لينقل له طلب السعيد بوتفليقة بأن يكون رئيساً مؤقتاً، لكنه رفض.

الالتزام بالدستور

3- التزام الجيش بالحلول الدستورية للأزمة الجزائرية، حيث يتمسك كل من قائد الجيش قايد صالح، والرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح بإجراء الاقتراع في موعده، وبحث الأخير مع رئيس الوزراء نورالدين بدوي في الأسبوع الماضي الترتيبات اللوجستية لإجراء الاقتراع. كما هاجم قايد صالح في خطاب بمنشأة عسكرية بجنوب البلاد، في 20 مايو الماضي، «متآمرين، ومن يسير في فلكهم، يريدون قطع الطريق أمام كل الحلول الممكنة، وجعل البلاد تعيش حالة من الانسداد السياسي المقصود، للوصول إلى هدفهم المخطط، وهو الوصول بالبلاد، إلى حالة من الفراغ الدستوري».
ويقصد صالح بهؤلاء المعارضين وناشطي الحراك الثوري الذين رفضوا الحل الدستوري للأزمة السياسية، وطالبوا ب«مجلس رئاسي»، يتكون من شخصيات مستقلة لإدارة شؤون البلاد مؤقتاً، وإبعاد رموز الباءات الثلاث الباقين (وهما بدوي وبن صالح) بعد استقالة رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز، وتأجيل الانتخابات الرئاسية. وهو إحدى الإشكاليات الرئيسية التي تواجه قوى الحراك الشعبي الثوري حيث تطالب في تظاهراتها المختلفة بعد تنحي الرئيس بوتفليقة بعدم إشراف رموز النظام السابق على إدارة الانتخابات الرئاسية. غير أنه من الواضح استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.

شروط تعجيزية

4- صعوبة استيفاء المرشحين اشتراطات قانون الانتخابات الرئاسية. غالبا|ً ما يعجز المرشحون عن الوفاء بأهم شرط في الترشح ينص عليه قانون الانتخابات في الجزائر، وهو جمع 60 ألف توقيع من مواطنين بلغوا سن الانتخاب، موزعين في 25 ولاية من 48 ولاية، أو جمع 600 توقيع من منتخبين محليين. ولذلك فإن رؤساء الأحزاب الكبيرة هم وحدهم من يستطيع تلبية هذا الشرط، أو مرشحين تساعدهم الحكومة على تخطي هذا الحاجز بغرض توفير منافسين شكليين، أو ما يطلق عليه في وسائل الإعلام المعارضة «إفراز رئيس على مقاس السلطة».


حوار جاد


ونظراً لهذه النقاط العالقة بين قوى الحراك الثوري الجزائري وقيادة الجيش، طالبت ثلاث شخصيات جزائرية بارزة (والتي يعرف عنها التدخل في الشأن العام باقتراح حلول في أوقات الأزمات)، وهم وزير الخارجية السابق أحمد الإبراهيمي، وشيخ الحقوقيين المحامي علي يحيى عبد النور، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس، قيادة الجيش بحوار صريح وجاد مع ممثلي الحراك وأحزاب المعارضة وقوى المجتمع.
فقد قالوا في بيان صادر بتاريخ 18 مايو الجاري «إن حالة الانسداد التي نشهدها اليوم تحمل أخطاراً جسيمة، تضاف إلى حالة التوتر القائم في محيطنا الإقليمي، وهذه الحالة الناجمة عن التمسك بتاريخ الرابع من يوليو القادم، لن تؤدي إلا إلى تأجيل ساعة الميلاد الحتمي للجمهورية الجديدة، فكيف يمكن أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترفضها من الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، لأنها من تنظيم مؤسسات ما زالت تديرها قوى غير مؤهلة معادية للتغيير والبناء».
وأضاف البيان «أن المتظاهرين الذين بلغ عددهم رقماً قياسياً تاريخياً، يطالبون اليوم بعدما أرغموا الرئيس بوتفليقة المحتضر على الاستقالة، ببناء دولة القانون في ظل ديمقراطية حقة، تكون مسبوقة بمرحلة انتقالية قصيرة المدة، يقودها رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة».

خلاف الحراك

غير أنه تجدر الإشارة إلى استمرار الخلاف بين قوى الحراك ذاته حول المرحلة الانتقالية. فهناك اتجاه يرى أن مداها الزمني لا يجب أن يتجاوز الستة أشهر، تختتم بإجراء انتخابات رئاسية حرة، في حين يطالب اتجاه آخر بأن يكون هذا المدى في حدود العامين حتى تمكن مراجعة الدستور، وقانون الانتخابات.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"