ترامب..العزل الصعب

02:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. إكرام بدر الدين *

ما زالت أزمة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تلقي بظلالها على النظام السياسي الأمريكي، خاصة أنها أدت إلى نوع من التوتر الخفي بين مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية، الذي يؤيد أعضاؤه عملية عزل الرئيس، وبين مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية التي ينتمي إليها الرئيس ترامب، وبالتالي يرفض عزل الرئيس.
هذا الانقسام في المواقف بين الديمقراطيين والجمهوريين يتضح أكثر في التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض، وعن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، فلقد رد البيت الأبيض على إجراءات العزل بأن الرئيس ترامب يتطلع إلى محاكمة عادلة في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وعاد ترامب وأكد المعنى ذاته عندما قال في تغريدة له على صفحته الرسمية في تويتر، إن الديمقراطيين لا يمتلكون أسباباً حقيقية للعزل، وبذلك فهم يضعفون الولايات المتحدة، لكنهم وفقاً لترامب لا يبالون، وطالب ترامب بأن تتم محاكمته سريعاً في مجلس النواب حتى تتم محاكمته محاكمة عادلة في مجلس الشيوخ.
إن إجراءات عزل الرئيس الأمريكي وفقاً للدستور الأمريكي تبدأ من مجلس النواب، الذي يتوجب عليه الموافقة بالأغلبية على توجيه اتهامات رسمية للرئيس الأمريكي توجب عزله، وتأتي عقب ذلك الخطوة الثانية، وتتمثل في إدانة الرئيس الأمريكي في مجلس الشيوخ بأغلبية خاصة، وهي أغلبية الثلثين، وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب أن تنجح عملية عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ لأنه على الأرجح لن يصوت أعضاء مجلس الشيوخ بالموافقة على عزل الرئيس الذي ينتمي إلى الحزب ذاته الذي ينتمون إليه، وهذا الموقف المتوقع مبني على دعم معظم النواب الجمهوريين لترامب أثناء التحقيقات الجارية، وتصريحهم بأنه لا يوجد دليل واضح ومباشر يدين الرئيس، ويؤكد الادعاء والاتهام الموجه إليه بأنه قام بالضغط على أوكرانيا لتحقيق مكاسب سياسية شخصية، وهو ما رد عليه رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي جيرولد نادلر، بأن السبب الرئيسي لعدم امتلاك اللجنة أدلة مباشرة على الاتهامات الموجهة لترامب يعود إلى أنه أمر أفراد السلطة التنفيذية بعدم التعاون مع الكونجرس في التحقيقات الخاصة بقضية العزل، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، ويعد ازدراء للكونجرس.

لوائح اتهام

على صعيد آخر طلبت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، من رئيس اللجنة القضائية تودلر، صياغة لوائح الاتهام ضد الرئيس ترامب من أجل محاكمته، خاصة أن التقرير النهائي الذي أجرته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي اتهم ترامب بأنه عرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، وأنه مارس جهوداً لا مثيل لها لعرقلة التحقيق في الاتهامات الموجهة إليه، كما جاء في التقرير المكون من ثلاثين صفحة أن ترامب طلب شخصياً من عناصر من داخل الحكومة الأمريكية ومن خارجها التدخل لدى الحكومة الأوكرانية لمساعدته في تعزيز فرص توليه فترة ولاية رئاسية ثانية عن طريق تشويه سمعة جو بايدن المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
واتهم التقرير الرئيس الأمريكي ترامب بأنه وضع مصلحته الشخصية فوق المصالح القومية للولايات المتحدة، وأنه سعى عامداً إلى تقويض مصداقية انتخابات الرئاسة الأمريكية، وحدد هذا التقرير الذي سيقدم إلى اللجنة القضائية لاستكمال قائمة اتهاماتها دونالد ترامب مخالفتين أساسيتين قام بهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهما:
1 أنه اشترط لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وعقد لقاء مع رئيسها فولوديمير زيلنسكي، أن تتخذ كييف إجراءات ذات دوافع سياسية نحو عدد من الشخصيات الأمريكية، من بينها المرشح الديمقراطي جو بايدن ونجله.
2 سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عرقلة التحقيق الجاري في الكونجرس، عن طريق رفضه تزويد المحققين بوثائق يحتاجها التحقيق، كما قام بمنع بعض الشهود من المثول أمام الكونجرس، وهدد من مثلوا أمامه ورفضوا الاستجابة لطلب ترامب.

دليل توجيهي

كما دانت اللجنة القضائية بمجلس النواب ترامب، وأكد رئيسها جيرولد نادلر أنهم يمتلكون على الرغم من كل العوائق أدلة قوية تؤكد أن الرئيس الأمريكي وضع مصالحه السياسية الشخصية فوق مصلحة البلاد السياسية.
وأعلن رئيس اللجنة أنه بعد مرور شهرين على التحقيقات في مجلس النواب الأمريكي، فإن اللجنة القضائية ستبدأ بصياغة لوائح الاتهام بحق ترامب.
ونظراً لأن عزل الرئيس أمر غير مألوف في السياسة الأمريكية، ولم يتم استخدام هذا الحق سوى ثلاث مرات من قبل، فقد أصدرت اللجنة القضائية كتيباً بعنوان: الدليل التوجيهي للمشرعين، يتناول الأسس الدستورية للعزل الرئاسي وتاريخ وأهداف وتفسير المادة الدستورية الخاصة بعزل الرئيس من منصبه، وأكدت اللجنة أيضاً في تقرير لها أن الحالات التي يسيء فيها الرئيس الأمريكي استخدام سلطاته، أو يعرض المصالح الوطنية عبر صلاته بالأجانب للخطر هي جرائم خطرة تستوجب العزل.
وأكد التقرير أن السبب الرئيسي لعزل الرئيس يتمثل في تجاوزه صلاحيات منصبه من أجل الترويج لمصالح خاصة له، مع تجاهل أحكام الدستور وإلحاق الضرر به.

توقعات العزل

يلاحظ أن إجراءات عزل الرئيس الأمريكي، فضلاً على عزله فعلياً، هي إجراءات شديدة الصعوبة والتعقيد وفقاً للدستور الأمريكي، ويندر اللجوء إليها في تاريخ الولايات المتحدة، وحتى إذا اتخذت الإجراءات القانونية والسياسية للعزل، فإنها لا تنتهي بالعزل الفعلي للرئيس، ففي القرن العشرين لم يتم اللجوء إلى هذه الإجراءات إلا مرتين، أولاهما مع الرئيس الأمريكي نيكسون في عام 1973 عقب فضيحة سياسية كبرى عرفت باسم فضيحة «ووترجيت»، حيث وجهت الاتهامات إلى الرئيس وحزبه بالتجسس على الحزب المنافس، وهو أمر لا يتوافق مع القيم الديمقراطية الليبرالية التي تأخذ بها الولايات المتحدة، وانتهى الأمر باستقالة الرئيس نيكسون قبل استكمال مدته الدستورية التي أكملها نائبه وفقاً للدستور الأمريكي، ويعني ذلك عدم استكمال الإجراءات السياسية والقانونية للعزل نتيجة لاستقالة الرئيس، والحالة الثانية في القرن العشرين هي حالة الرئيس بيل كلينتون، وذلك على خلفية علاقته بمتدربة في البيت الأبيض في عام 1998، وانتهى الأمر أيضاً دون عزل الرئيس، وعلى الأرجح أيضاً في حالة الرئيس ترامب أنه لن يتحقق عزله بفعل الآليات السياسية والقانونية التي اتخذت داخل الكونجرس ولجانه، خصوصاً مع تمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في مجلس الشيوخ، بينما أعضاء الحزب الديمقراطي المناوئ للرئيس ترامب يمثلون الأقلية في مجلس الشيوخ، الذي يتطلب الأمر موافقة ثلثيه على الاتهامات والعزل، إضافة إلى أغلبية مجلس النواب الذي يتمتع فيه الحزب الديمقراطي بالأغلبية، لكن على الرغم من تراجع احتمال العزل يظل السؤال الرئيسي متعلقاً بتأثير هذه الإجراءات والاتهامات للرئيس على الرأي العام وعلى الناخب الأمريكي، وسلوكه التصويتي في الانتخابات الرئاسية في عام 2020.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"