البصرة مدينة النفط والنخيل والحروب

أسسها عتبة بن غزوان سنة 14 هجرية
13:22 مساء
قراءة 6 دقائق

وكأن الحروب والكوارث قدر مدينة البصرة العراقية، فالمعركة التي دارت أحداثها مؤخراً بين القوات الحكومية مدعومة بقوات الاحتلال الأمريكي ومسلحي جيش المهدي لم تكن أول المعارك. فقد اعتادت هذه المدينة على الغزوات التي أنهكتها على مر العصور، حيث تعرضت لهجمات الخوارج واعتدى عليها الزنج وتعرضت للنهب حتى انتصر عليهم العرب في العام 270 هـ ، ثم دخلها المغول لكنها عادت لحكم العرب مرة أخرى، وكانت البصرة البوابة التي تستقبل الحروب أو تنطلق منها الغزوات فقد شهدت انطلاقة الحرب العراقية الايرانية وكذلك بداية غزو العراق للكويت في العام ،1990 ورغم ذلك يمكن اعتبار محافظة البصرة التي تبعد عن جنوب العاصمة العراقية بغداد حوالي 550 كيلومتراً من أهم المحافظات العراقية لموقعها الاستراتيجي، فهي تعد النافذة الوحيدة للعراق على مياه البحر وتمثل بوابة العراق مع ثلاث دول هي السعودية والكويت وإيران.

كما تمتلك ثروة نفطية وزراعية لا مثيل لها في العراق حيث تستخرج منها 90% من صادرات النفط العراقي وكانت مشهورة قبل الحروب بالمدينة الأولى في العالم بتصدير التمور المميزة. وبعيدا عن ذلك فإنها تمتلك إرثا تاريخيا كبيرا وثقافيا مميزا. يضاف إلى ذلك أنها تشهد لقاء نهري دجلة والفرات.

كانت البصرة أول مدينة إسلامية يتم تأسيسها في التاريخ الإسلامي. حيث أسسها الصحابي عتبة بن غزوان في عام 635 للميلاد الموافق سنة 14 للهجرة. وكانت قبل ذلك منطقة ريفية تعرف باسم بصرياثا أو بصريافا حسب اللغة الآرامية العراقية وتعني منطقة الصرايف با صريفي والصريفة هي مفرد صرايف وتعني بيت الطين في اللهجة العراقية الدارجة ويتكون هذا البيت من أعمدة وحصران وطين.

وتحتضن مدينة البصرة العديد من المراقد الدينية التاريخية ومن أبرزها مرقد الصحابي طلحة بن عبيد الله وكذلك مرقد الصحابي الزبير بن العوام والعالم المسلم حسن البصري رضي الله عنهم. فضلا عن مسجد للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكذلك منارة المسجد الجامع ومتحف الآثار القديمة والإسلامية وشجرة ادم وتقع على بعد 74 كيلومتراً من مركز المدينة في مدينة القرنة التابعة لهذه المحافظة وهي عبارة عن شجرة سدرة يزورها السائحون من جميع بلدان العالم، كما يوجد فيها مسجد البصرة وهو أول مسجد بني في العراق وكان يتخذ مدرسة تدرس فيها العلوم الدينية مثل الفقه وتعقد فيه حلقات القضاة وغيرها. لذلك فإن اسم البصرة شاع بين البلدان العربية والإسلامية خاصة وأنها نمت سريعا من خلال مربد البصرة وهو السوق الذي تروى فيه عروض الشعر فقد قيل: العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة.

هذا النمو قوبل بهجمات قوية تعرضت لها هذه المدينة المهمة، حيث تعرضت لهجمات الخوارج واعتدى عليها الزنج وتعرضت للحرق والنهب والسلب حتى انتصر عليهم العرب العام 270 ه ثم دخلها القرامطة وطردهم العرب سنة 289 ه. ثم دخلها المغول وخضعت للسيطرة الأجنبية ولما احتل السلطان سليمان القانوني بغداد العام 1034 م أبقى البصرة تحت حكم العرب وظلت بعيدة عن حكم الدولة المباشر مما أدى إلى الطمع فيها وشن الغارات من قبل شاهات إيران وكانت البصرة إحدى الولايات الإدارية الثلاث التي يضمها العراق وهي: بغداد والموصل والبصرة، وفي عهد مدحت باشا من 1869 إلى 1871م أخذ الناس يتوافدون إليها حتى احتلالها من قبل القوات البريطانية 1914م.

تشتهر البصرة، إضافة لكونها الميناء البحري الوحيد للعراق، بغناها بحقول النفط المستثمرة والواعدة مثل حقول الرميلة من أكبر واهم الحقول النفطية بالعالم، وبالنخيل التي لم يبق منها غير 4 ملايين نخلة بعد أن دمر وأتلف أغلبها خلال حرب الخليج الأولى في ثمانينات القرن العشرين.

تفتقر مدينة البصرة للماء الصالح للشرب مع قرب أكبر نهرين منها وهما نهر دجلة ونهر الفرات اللذان يلتقيان شمالها في مدينة القرنة ليكونا شط العرب المالح نسبياً والذي أصبح نصفه المحاذي لإيران تابعا لإيران بحسب اتفاقية الجزائر التي وقعها صدام حسين مع شاه إيران العام 1975.

البصرة تضم خليطا متجانسا من كل الأعراق ففيها المسيحيون من الكلدان والسريان والآشوريين كذلك يسكنها الصابئة منذ القدم وذلك لكثرة أنهارها، كما سكنها اليهود منذ إنشائها بالإضافة إلى المسلمين بمختلف طوائفهم بل كانت مهدا لمدارس دينية وأدبية كثيرة، إضافة لهؤلاء سكن البصرة عرقيات متعددة أخرى كالفرس والأكراد والأتراك وبعض الأوروبيين وعندما حصلت مجازر الأرمن كانت إحدى المناطق التي استقبلت الفارين منهم.حيث كانت ملجأ للهاربين من الصراعات ورغم هذا الخليط الشائك فإنها عاشت متآخية طول العصور.

كانت البصرة البوابة التي تستقبل الحروب أو تنطلق منها الحروب في زمن النظام السابق. الأمر الذي ألحق فيها دمارا كبيرا. فهي شهدت انطلاقة الحرب العراقية الإيرانية من1980 إلى 1988 حيث قدرت نسبة الدمار بها ب 0_ % وقد أثرت الحرب في بيئة البصرة حيث دمرت 70 % من بساتينها ونخيلها، فضلا عن هجرة أبنائها إلى محافظات العراق الأخرى بعد أن تحولت البصرة إلى ساحة للحرب.

ومنها انطلق صدام حسين لغزو دولة الكويت العام 1990 في خطوة دمرت العراق لاحقا وما زال يعاني منها العراقيون جميعا، وبما أن حرب غزو الكويت انطلقت من البصرة فإن الحرب التي قادتها أمريكا مع حلفائها في العام 1991 لتحرير الكويت استهدفت البصرة أولا باعتبارها الخط الدفاعي الأول للجيش العراقي، وفي غزو العراق العام 2003 بدأ الغزاة حربهم المدمرة من خلال البصرة التي قاوم أبناؤها كثيرا الغزاة.

وتتميز البصرة بالعديد من المعالم الحديثة منها شارع الشهداء وميدان أم البروم وهو عبارة عن ساحة شعبية تزدحم بالباعة المتجولين وتحيطها الفنادق والمطاعم الشعبية وتقع في مركز المدينة. بجانب جامعة البصرة ومكابس التمور ميناء أم قصر وشناشيل البصرة ومن أبرز أسواقها سوق حنا الشيخ في العشار وشارع الوطن وشارع الكويت وغيرها.

وشهدت البصرة بروز العديد من الشخصيات التاريخية في مختلف المجالات ومن أبرزها محمد فريد، العالم الحسن البصري، الجاحظ، رابعة العدوية، الحريري صاحب المقامات، ابن سلام الجمحي، قدامة بن جعفر، ابن سيرين، ابن المقفع، بشار بن برد، سيبويه، أبو نواس، إخوان الصفا. واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة، الحسن بن الهيثم، الخليل بن أحمد الفراهيدي.

وإذا كانت البصرة تعد رقما مهما في الاقتصاد العراقي من خلال ما تمتلكه من ثروات نفطية وزراعية وغيرها، فإنها تمتلك طاقات بشرية مبدعة باتت تمثل رموزا للبلد في مختلف المجالات، ففي السياسة كان من أبنائها أول رئيس وزراء للدولة العراقية الحديثة عبد المحسن السعدون وعز الدين سليم والقاضي وائل عبد اللطيف، أما في مجال الرياضة فقد خرجت العديد من الأبطال والنجوم الكبار في مختلف الألعاب. حيث يمتلك العراق وساما برونزيا واحدا في دورات الألعاب الاولمبية كان من نصيب ابن البصرة الرباع عبد الواحد عزيز في اولمبياد روما عام ،1964 وفي الملاكمة كان منها بطل العراق وآسيا زبرج سبتي، وفي كرة السلة خرجت العديد من النجوم أبرزهم الراحل عدنان ناجي، وفي كرة القدم خرجت العديد من الأسماء الكبيرة في عالم الكرة العراقية أبرزهم كريم علاوي، صبيح عبد علي، رحيم كريم، هادي احمد، علاء احمد، جليل حنون، عامر عبد الوهاب، قصي منير وغيرهم.

وفي الثقافة خرجت أسماء كبيرة منها الشاعر الكبير بدر شاكر السياب رائد الحداثة في الشعر إلى جانب نازك الملائكة وكذلك الشاعر محمود البريكان والقاص محمد خضير وكذلك القاص والروائي مهدي عيسى الصقر والروائي محمد سعيد الصكار والشاعر كاظم الحجاج وغيرهم.

ومن الفنانين الذين خرجوا من حارات البصرة هناك قائمة طويلة تبدأ بسليم البصري الممثل الكوميدي والممثلة سليمة خضير وشقيقتها المطربة والممثلة أمل خضير والممثل الراحل طعمة التميمي وأولاده الأربعة فارس، محمد، أحمد، إيهاب. ومن المطربين والملحنين الذين ولدوا في البصرة المطرب فؤاد سالم الذي كان له دور كبير في تأسيس الأغنية العراقية الحديثة التي تعرف باسم الأغنية السبعينية وكذلك سبقته المطربة وحيدة خليل ثم جاء بعده المطرب رياض احمد والملحن ياسين الراوي والملحن والممثل قصي البصري والملحن طارق الشبلي وكذلك الملحن مجيد العلي والملحن طالب غالي والملحن نامق أديب والشعراء الغنائيون داود الغنام وطاهر سلمان وعلي العضب وغيرهم.

وبعيدا عن كل المميزات التي تمتلكها هذه المدينة التاريخية إلا أنها ما زالت تعيش حالة من البؤس والفقر. ويعاني سكانها من الإهمال والحرمان، حيث لا يوجد فيها إعمار حقيقي ولا خدمات جيدة، إذ أن سكانها ما زالوا يفتقدون المياه الصالحة للشرب، وقد انشغلت الحكومات المحلية التي حكمتها بعد الاحتلال بكيفية إيجاد حلول للمشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تحدث فيها، وسبب هذا الانشغال أن البصرة تشهد صراعا كبيرا بين الأحزاب والمليشيات من أجل السيطرة عليها، كما أن البصرة تعاني كثيرا من تدخلات الدول الإقليمية في شؤونها الداخلية مما جعلها عرضة للفتن والاضطرابات المتكررة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"