إصلاح مجلس الأمن.. حرثٌ في البحر

02:48 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. هشام بشير *

ما أشبه الليلة بالبارحة، حيث عاد الآن الحديث القديم الجديد عن أهمية إصلاح مجلس الأمن بعد تنامي المتغيرات الدولية الجديدة وتعالي الأصوات الراغبة في إجراء هذه الإصلاحات، وكان آخرها ما دعت إليه المجموعة العربية على لسان مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير منصور العتيبي .
السفير العتيبي الذي ألقى كلمة نيابة عن العرب في السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، طالب فيها بأهمية التوصل إلى إصلاح حقيقي وشامل لمجلس الأمن الدولي لاسيما بعد مرور أكثر من عقدين على المناقشات الرامية لتوسعة عضوية المجلس وتحسين أساليب وطرق عمله، معرباً عن إيمان المجموعة العربية بأنه بات من الأهمية الدفع بعملية إصلاح مجلس الأمن من خلال التوصل إلى حلول توافقية تحظى بقبول واسع بين الدول الأعضاء، آخذاً في الحسبان مواقف المجموعات والدول بما فيها المجموعة العربية.
وليس بجديد، القول بأن ممثل المجموعة العربية نجح في كلمته في إعادة التأكيد على حقيقة - يؤكدها معظم دول العالم الرافضة لاستمرار هذا الوضع - من أن هناك عدة تحديات خاصةً مسألة إصلاح المجلس ومن أبرزها حق النقض (الفيتو) الذي أسهم التعسف في استخدامه من قبل بعض الدول دائمة العضوية في حالات عديدة، في النيل من مصداقية عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن. وفي الإطار نفسه، أعرب العتيبي عن أسفه كون أغلب المرات التي استخدم فيها حق الفيتو خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت في قضايا تخص المنطقة العربية، مؤكداً أن المجموعة العربية تستحق في ضوء خصوصيتها السياسية والثقافية والتراثية الحصول كمجموعة قائمة بذاتها على تمثيل في مجلس الأمن الموسع، مشيراً إلى أن المجموعة العربية تمثل نحو 350 مليون شخص وتضم في عضويتها 22 دولة بما يمثل قرابة 12 في المئة من العضوية العامة للأمم المتحدة.

قضية الإصلاح

لا خلاف حول أن مجلس الأمن يعد بمثابة الفرع الأهم من الأفرع الستة للأمم المتحدة، خاصة أنه يمثل الذراع العسكرية لهذه الهيئة الدولية المهمة، ويضم في عضويته خمس عشرة دولة منها الدول الخمس دائمة العضوية والتي تتمتع بحق الفيتو (الولايات المتحدة الأمريكية-روسيا-الصين-فرنسا-بريطانيا) بينما هناك عشر دول غير دائمة العضوية يتم انتخابها طبقاً للتوزيع الجغرافي ويخصص لإفريقيا 3 مقاعد، ولآسيا مقعدان، وأمريكا اللاتينية والكاريبي مقعدان، ولأوروبا ثلاثة مقاعد ويتم انتخاب هذه الدول من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة لفترة واحدة تبلغ عامين تبدأ في الأول من يناير/ كانون الثاني.
هذا من جانب، ومن جانب آخر ليس بجديد القول بأن مبالغة الدول دائمة العضوية في استخدام حق النقض، تمخض عنه مجموعة من النتائج السلبية أبرزها شل فاعلية مجلس الأمن، خاصة في مجال حل المنازعات والمواقف الدولية، بما ساهم في تهديد السلام والأمن الدوليين وعرقلة نظام الأمن الجماعي وهذا الأمر كان واضحاً أثناء الحرب الباردة، وإن كانت الأوضاع لم تتحسن كثيراً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وبقاء الولايات المتحدة الأمريكية تغرد منفردة على قمة النظام العالمي، حيث ظلت الأخيرة تمارس هذا الحق كثيراً على حساب الكثير من القضايا الدولية العادلة وأبرزها بكل تأكيد القضية الفلسطينية الخاسر الأكبر من عدم إصلاح مجلس الأمن، حيث قامت الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى الآن أكثر من أربعين مرة.
إن المطالب بإصلاح مجلس الأمن لم تكن وليدة الوقت الراهن، حيث بدأت الخطوة الأولى لعملية إصلاح المجلس في عام 1965 بعد تصديق ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك الدول دائمة العضوية على زيادة عضوية الدول غير الدائمة من ستة أعضاء إلى عشرة أعضاء، ثم أضحت عملية دائمة ومدرجة على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1979 وحتى الآن. وبعد تولي الدكتور بطرس غالي منصب الأمين العام للأمم المتحدة حاول جاهداً البدء في عملية الإصلاح ولكن جهوده لم تسفر عن جديد، وعلى النهج نفسه، طالب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي آنان عام 2004 بضرورة إصلاح مجلس الأمن، بل إنه قام بتشكيل فريق من 16 عضواً لتقديم الخيارات المناسبة لعملية الإصلاح، ولكنه فشل في تقديم حلول واقعية وناجزة، ثم تكررت المطالبات والمحاولات لاحقاً ولكن دونما تحقيق أي ثمار مرجوة وهو ما يشير بجلاء إلى أن هناك عقبات تعرقل أي عملية لإصلاح المجلس.

عقبات وخلافات

لا خلاف على أن مجلس الأمن الدولي أضحى في الوقت الراهن غير قادر على التعبير عن إرادة المجتمع الدولي أو رسم خريطة عادلة للقوى في العالم، خاصة بعد المتغيرات المتسارعة في النظام الدولي وموازين القوى على الساحة الدولية، فالدول الخمس دائمة العضوية تتمسك بحق الفيتو منذ انتصارها على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945 رغم التغيرات الجيوسياسية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تغير موازين القوى اقتصادياً وعسكرياً، حيث أضحى الاقتصادان الألماني والياباني أكبر بكثير من الاقتصاد الفرنسي أو البريطاني.
وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة ومعقدة حول تحديات الإصلاح التي يجب أن تشمل كل المؤسسات الدولية وليس المجلس فقط، فلا شك أن المعضلة الأبرز التي تقف حائلاً دونما تحقيق الثمار المرجوة، هي رغبة الدول دائمة العضوية في الاحتفاظ بمكتسباتها السابقة المتمثلة في حق الفيتو، فضلاً عن أن كل دولة من تلك الدول لديها رغبة عارمة في ضم إحدى الدول الكبرى من حلفائها دونما مراعاة أي اعتبارات أخرى، كما أن هناك صراعاً أكبر سينفجر بين الدول المرشحة للعضوية الدائمة. ففي القارة الآسيوية هناك الهند واليابان، وفي القارة الإفريقية هناك مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، والأمر نفسه ينطبق على باقي القارات .
إضافة إلى ما سبق فإن عملية إصلاح مجلس الأمن تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية وتحقيق التوافق، خاصة من جانب الدول الكبرى التي من المفترض أن تقدم تنازلات جوهرية عن مكتسباتها، وهو أمر صعب المنال خاصة في ضوء استمرار الخلافات والنزاعات بينها ، فالخلافات السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين تتسع رقعتها كل يوم والنزاع التجاري الصيني الأمريكي أصبح يهدد مستقبل الاقتصاد العالمي، وتنامي الخلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عدد من الملفات السياسية وأحياناً الاقتصادية يهدد أيضاً الاستقرار والأمن الدولي؛ بل والتوافق حول إصلاح مجلس الأمن.
وإجمالاً فإن الجهود الرامية إلى إصلاح مجلس الأمن من الأرجح أن تتعثر وتراوح مكانها إلى أمد بعيد.

* وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشؤون الدراسات العليا (جامعة بني سويف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"