«الضـم» ..سيـد المـوقـف في الحكومة «الإسرائيلية»

02:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

على الرغم من أن الاتفاق على تشكيل حكومة الوحدة بين الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وحزب «أزرق أبيض» بزعامة بني جانتس تم بذريعة الطوارئ التي فرضها انتشار وباء «كورونا»، فإن ما تضمنه الاتفاق من موقف بشأن ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية، كان البند الأهم في برنامج هذه الحكومة.
ومن الوجهة الإعلامية والسياسية، فإن هذا البند حسم الخلافات في المجتمع الصهيوني لصالح أنصار الضم، بعد أن كان حزب «أزرق أبيض» غير معترض على ذلك في حملته الانتخابية.
صار منطق الضم سيد الموقف في الحياة العامة «الإسرائيلية»، بعد أن انحازت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لطروحات اليمين واعترفت بالقدس عاصمة للكيان، وتعاملت مع الضفة الغربية على أنها أرض متنازع عليها.
ومن المؤكد أن الإعلان عن ضم الأراضي المحتلة أو أجزاء منها تحت شعار «فرض السيادة اليهودية عليها»، كفيل بتفجير الأوضاع في الأراضي المحتلة، ويخلق واقعاً جديداً في العلاقات الدولية.
وكان واضحاً أن البندين الأهم في اتفاق تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة هما اللذان تحدثا عن موقف الحكومة الجديدة من «مساعي التوصل إلى اتفاقيات سلام» مع الدول المجاورة، والحث على تعاون إقليمي في مجالات مختلفة، وخصوصاً لمكافحة كورونا. وينص البند 28 من بين بنود الاتفاق الحادية والأربعين، على أنه «بصدد كل ما يتصل بإعلان الرئيس ترامب، فإن رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة البديل، سيعملان بتوافق تام مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مسألة الخرائط، ومن خلال الحوار الدولي حول الموضوع، وكل ذلك عبر السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة «إسرائيل»، بما في ذلك الحاجة للحفاظ على استقرار إقليمي والحفاظ على اتفاقيات السلام، والسعي لاتفاقيات سلام مستقبلية». وبناء على اتفاقية تشكيل الحكومة، فإنه بعد مشاورات بين رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة البديل «بمقدور رئيس الحكومة أن يعرض الاتفاق الذي يتم التوصل إليه على الولايات المتحدة بشأن فرض السيادة «الإسرائيلية»، ابتداء من الأول من يوليو 2020، للبحث أمام المجلس الوزاري المصغر والحكومة، والمصادقة عليه في الحكومة أو في الكنيست».


طريق مسدود


ولا يخفى على أحد أن شهية اليمين الصهيوني لضم غور الأردن، والكتل الاستيطانية بلغت حدها الأقصى أثناء المعركة الانتخابية الأخيرة، حينما اتفقت جميع القوى اليمينية على تأييد هذه الخطوة. وبدت مسألة ضم الأراضي وكأنها خطوة مفروغ منها على مستوى الأحزاب الصهيونية، بعدما أبدى حزب «أزرق أبيض» تأييده لها، مشترطاً تأييد الإدارة الأمريكية لها. وهذا ما تحقق في المفاوضات الائتلافية التي تخلى فيها «أزرق أبيض» عن كل طروحاته الداخلية ضد نتنياهو، من أجل تشكيل ائتلاف معه على قاعدة ضم الأراضي. وصار واضحاً للجميع أن «الوحدة» الصهيونية تتحقق على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه.
ومن الوجهة العملية، فإن الإعلان عن الضم يعني ترسيم ما هو قائم فعلياً، وسد الطريق أمام أي تسوية حقيقية مع الفلسطينيين؛ إذ إن الاحتلال يسيطر عملياً على حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية على اعتبار أنها «أراض المنطقة ج» الخاضعة تماماً، إدارياً وأمنياً لسيطرته الحصرية. وهي بخلاف المنطقتين «أ» و«ب»، اللتين تخضعان الأولى أمنياً وإدارياً، والثانية إدارياً لسيطرة السلطة الفلسطينية، المنوي ضم أجزاء واسعة منهما سواء في غور الأردن أو المستوطنات. وبديهي أن يستثير ذلك الموقف الفلسطيني على أشده، حيث تواصل التحرك الدبلوماسي لتشكيل موقف دولي معارض وتعاظمت التهديدات بخطوات على الأرض.
وهدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جديد بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال معلناً: «أبلغنا جميع الجهات الدولية المعنية، بما في ذلك الحكومتان الأمريكية و«الإسرائيلية»، بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي إذا أعلنت «إسرائيل» ضم أي جزء من أراضينا، وسنعتبر كل التفاهمات بيننا وبين هاتين الحكومتين لاغية تماماً، وذلك استناداً إلى قرارات المجلسين الوطني والمركزي ذات الصلة». كما أطلقت الفصائل الفلسطينية تهديدات بأنها لن تصمت على مؤامرة الضم وسترد بقوة، وطالب بعضها باتخاذ قرارات حاسمة تجاه الاتفاقيات وتنفيذها.


تمزيق الجغرافيا


ومعروف، وفق الخبراء، أن الإعلان عن ضم الأغوار والكتل الاستيطانية يقضي على آخر «الأوهام» بشأن إمكانية إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية؛ لأن ما يتبقى منها لا يتيح لا جغرافيا ولا من ناحية الموارد، فرصة قيام دولة قابلة للحياة. وقد تم التمهيد صهيونياً للضم فعلياً، بإنشاء المستوطنات، وحرمان الفلسطينيين من الإفادة من المنطقة «ج»، وفرض القوانين الصهيونية فعلياً على كثير من هذه الأراضي. وقد لعبت شبكة الطرق الداخلية بين المستوطنات، ومنع الفلسطينيين من استخدامها دوراً بارزاً في إنشاء نظام تمييز عنصري لصالح المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومحيطها.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قد اعتبر أن مسألة ضم الأراضي هي في نهاية المطاف «قرار «إسرائيلي»، لكننا سنعمل معهم بشكل وثيق لمشاركة وجهات نظرنا في هذا الشأن، في إطار خاص». وواضح من هذا التصريح استمرار إدارة ترامب في التغطية على جرائم الاحتلال وانتهاكاته للشرعية الدولية، وتوفير الحصانة له. وتؤثر هذه التغطية سلباً في جدية المواقف الدولية الرافضة لهذه الانتهاكات، والتي تم التعبير عنها صراحة في مواقف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد اعتبر المبعوث الأممي لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، أن أية خطوات أحادية تهدف إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية تشكل «تهديداً متزايداً، وفي حال تنفيذ الضم يعد انتهاكاً خطراً للقانون الدولي».


غطاء الوباء


غير أن ما يهدد مشروع ضم الأراضي الفلسطينية متنوع على ما يبدو، بعضه داخلي والآخر خارجي. وعلى سبيل المثال، ليس واضحاً حتى الآن، ما إذا كانت خطوات الضم ستتم دفعة واحدة، أم بالتدريج، وما إذا كانت حكومة نتنياهو جانتس ستبقى أم ستسقط. وعدا ذلك، هناك مسألة «كورونا» واحتمالات تفشيه وبالتالي إبعاد الأنظار عن خطوات الضم أو تسريعها لتجري تحت غطاء هذا الوباء والانشغال العالمي به.
وبين هذا وذاك، هناك تحسبات صهيونية من الصدام مع إدارة أمريكية جديدة إذا سقطت إدارة ترامب المحابية. وفي هذا السياق، هناك الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني واحتمالات انفجار انتفاضة ثالثة ومقدار الإسناد العربي والدولي له.
غير أن ما لا يستطيع الكيان عدم التحسب له، هو موقف الدول العربية الموقعة على اتفاقيات سلام معه، وخصوصاً الأردن ومصر. وقد أعلن رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز أن «ضم الضفة الغربية تحت أي مسمى سيجمد معاهدة السلام بين «إسرائيل» والمملكة الهاشمية». والموقف المصري ليس بعيداً عن الموقف الأردني، مما يجعل إعلان الضم مجازفة سياسية استراتيجية يصعب تقدير عواقبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"