أفغانستان.. طريق السلام الصعب

03:28 صباحا
قراءة 5 دقائق
ريم عبد المجيد *

حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق سلام مع «طالبان» في أفغانستان؛ كي يتمكن من سحب القوات الأمريكية منها؛ وذلك في إطار سياسته الخارجية الانسحابية تجاه الأزمات الدولية؛ بعد أن كانت أمريكا تنتهج سياسة تدخلية منذ انتهاء الحرب الباردة، وزادت في هذا التوجه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي دفعتها لتولي مهمة القضاء على الإرهاب، ومحاربته في جميع دول العالم؛ ومن بينها أفغانستان.
يبدو أن آمال التوصل إلى اتفاق دائم قد تتلاشى وسط الفوضى السياسية التي قد تجتاح النظام الأفغاني؛ بعد فوز أشرف غني بفترة ولاية ثانية، المطعون في نزاهته من قبل منافسه عبدالله عبدالله، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي في الحكومة.

أزمة سياسية محتملة

أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان في 18 فبراير/‏‏‏شباط الجاري، أن أشرف غني هو الفائز في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في 28 سبتمبر/‏‏‏أيلول 2019، منتصراً بذلك على منافسه عبدالله عبدالله؛ حيث حصل الأخير على نسبة 39.5% من الأصوات، بينما حصل غني على 50.6%. وقد اعترض عبدالله على النتائج، وأعلن فريقه الانتخابي بأنه هو الفائز، وقام بإعلان تشكيله لحكومة موازية لحكومة غني، في تكرار لأزمة سياسية سابقة. فقد سبق أن خسر عبدالله أمام غني في الانتخابات الرئاسية في عام 2014، وشكك في تلك النتائج، مما أثار انقساماً سياسياً في البلاد لم ينته إلا بعد تدخل الولايات المتحدة، وتوقيع اتفاق- غير مسبوق- بتشارك السلطة بينهما؛ بحيث يصبح غني رئيس الدولة، ويصبح عبد الله الرئيس التنفيذي.

اتفاق الولايات المتحدة و«طالبان»

توصلت الولايات المتحدة و«طالبان» إلى اتفاق- من المقرر توقيعه نهاية فبراير/‏‏‏شباط الجاري- قد يمهد لإحلال السلام، وإنهاء أطول حرب أمريكية، نص الاتفاق على الحد من العنف؛ لاختبار ما إذا كان وقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية و«طالبان»، هل من الممكن تنفيذه أم لا. فإذا نجح هذا الاتفاق، ستقوم الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق آخر مع «طالبان» بموجبه يتم تخفيض تدريجي للقوات الأمريكية البالغ عددها 12 ألف جندي في البلاد، وهذا بدوره سيعجل من بدء مفاوضات رسمية بين «طالبان» والحكومة الأفغانية بشأن التسوية السياسية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق تحول دون تحققه عدة معوقات منها تأثره بالأزمات السياسية في وقت سابق، والتي قد تتجدد مرة أخرى. ومن أولى تلك الأزمات اعتراض الحكومة على الاتفاق؛ ففي عام 2019 اقتربت الولايات المتحدة وحركة «طالبان» من إبرام اتفاق سلام كان من شأنه أن يسحب القوات الأمريكية من البلاد، وكان سيتطلب من «طالبان» أن تتخلى علناً عن دعمها للجماعات الإرهابية، والدخول في محادثات مع الحكومة الأفغانية، بشأن تقاسم السلطة؛ لكن اعترضت الحكومة الأفغانية على استبعادها إلى حد كبير من هذه المناقشات، وأرادت وقف إطلاق النار بشكل دائم، وبشروط أشد. ثانيها عدم وفاء بعض عناصر «طالبان» بالمبادئ الأولية التي تم الاتفاق عليها، وهو ما طرح سؤالاً حول مدى إمكانية سيطرة القيادة في التنظيم على المستويات الأدنى فيه، خاصة بعد قيام بعض الأعضاء بهجوم في كابول في سبتمبر/‏‏‏أيلول 2019 تسبب في مقتل أحد العناصر الأمريكية، وهو ما دفع الرئيس ترامب لوقف محادثات السلام. ورأى البعض الآخر أن هذا الهجوم هو محاولة من «طالبان» لكسب النفوذ. وبغض النظر عن حقيقة الأمر- ما إذا كان تم من قبل عناصر من الحركة من دون قبول القيادة أم أنه بعلمهم كإشارة منهم لرفض اتفاق إطلاق النار- ينذر هذا الهجوم باحتمالية عدم التزام الحركة بالاتفاق مرة أخرى، خاصة أن «طالبان» الآن أقوى من أي وقت مضى.
أزمة أخرى تلوح في الأفق؛ عقب فوز غني بولاية ثانية ، ليس فقط من قبل عبد الله، ولكن أيضاً من قبل «طالبان». ويتجلى تأثير هذه الأزمة على التسوية مع «طالبان» في أمرين؛ الأمر الأول هو الخلاف بين غني وعبدالله حول أفضل استراتيجية للمحادثات مع الحركة، والتسوية السياسية. فيسعى غني إلى التفاوض مع الحركة، ومقابل نزع الحركة للسلاح؛ سيقوم بمنحها المساعدة اللازمة؛ لإعادة الاندماج في المجتمع مع إشراك أفرادها في جهود التنمية، وربما تفويض السلطة إليهم بالسماح لهم بتشكيل حزب سياسي، والتنافس في الانتخابات؛ حيث يرفض غني فكرة أن «طالبان» يمكن أن تُمنح نفوذاً أكبر في بعض المناطق دون المشاركة في الانتخابات الوطنية، ورأى أن أي حل في غير المستوى الوطني سيكون جولة أخرى للصراع.

مشاركة «طالبان» في السلطة

لكن هذا الحل المطروح من قبله لا يلقى قبولاً سياسياً، فقد عارض العديد من السياسيين الأفغان بمن فيهم عبدالله عبدالله والرئيس السابق حامد كرزاي هذا الاقتراح، وهو رفض مبرر؛ لأن غني استبعد بقية القيادات من المباحثات، فهو الوحيد الذي يرسل ممثلين؛ للتحدث مع «طالبان» رافضاً أن يكون لعبدالله أي مشاركين له في المحادثات، ومن ثم فإن هذا الحل لم يكن نتاجاً لتوافق سياسي. وفي المقابل يأمل عبدالله إلى جانب داعميه التفاوض مع «طالبان» حول صفقة مغلقة، وتجاوز الرئيس غني، ورأى البعض أنه قد يقوم بإطاحة غني، وتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع «طالبان».
الأمر الثاني، رفض «طالبان» فوز غني، فقد أعلنت الحركة فور إعلان لجنة الانتخابات فوز غني أنه غير قانوني. وفي بيان رسمي أكدت أن أي انتخابات في ظل الاحتلال الأجنبي لا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع في أفغانستان. كما أن هذا الفوز جعل البلاد منقسمة سياسياً، خاصة أن الانقسامات بين القادة السياسيين قائمة على أسس عرقية، وهو ما حفز كل جماعة لتأييد من ينتمي إليها، فأعلنت أحزاب؛ مثل: الجماعة الإسلامية (أغلبها من الطاجيك) وحزب الوحدة (من الهزارة) وجونبيش (من الأوزبك) دعمهم لعبد الله. هذه الانقسامات ستساهم في تعزيز مكانة «طالبان» وزيادة قوتها أكثر من ذي قبل، فهي توصلت إلى هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة من موقع قوة مقارنة بالحكومة الأفغانية وقياداتها السياسية، بما يجعلها ترفض بسهولة بنود الاتفاق، أو تكون هي الطرف الأقوى الذي يفرض شروطه، والتي يجب أن يوافق عليها الجميع.
وأخيراً، يجدر تأكيد أنه إلى جانب اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان»، فإن أفغانستان بحاجة إلى وحدة بين القيادات الأفغانية أكثر من أي وقت مضى؛ كي ينجح الاتفاق، وكي تتمكن تلك القيادات من مواجهة «طالبان» كجبهة موحدة غير منقسمة، إلى جانب السيطرة على الجماعات الانتهازية وأمراء الحرب الذين يدعمون «طالبان»؛ لإفشال جهود السلام، إضافة إلى مجابهة التدخلات الخارجية من قبل دول الجوار المحتمل زيادتها بعد مغادرة القوات الدولية؛ لأن تحقق هذا السيناريو قد يجعل أفغانستان ساحة معركة للمنافسات الإقليمية.

* باحثة ماجستير- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"