رئيس البرازيل يعلن حبه لـ«إسرائيل»!

04:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

لم يكد شهر مارس/آذار الماضي ينتهي، حتى كان الرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو يقوم بزيارة وصفها ب«التاريخية» ل«إسرائيل»، في ثاني جولاته الخارجية منذ توليه السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ حيث قام بأولى جولاته الخارجية لواشنطن في 17 مارس/آذار الماضي. وما إن وطأت قدماه أرض مطار بن جورين حتى أعلن حبه ل«إسرائيل».
اكتسبت هذه الزيارة أهميتها من جوانب عدة؛ لعل من أبرزها:
* أولاً: أنها تأتي في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، في ظل الحديث الدائر حول صفقة سياسية، تعدها الولايات المتحدة، والاعتداءات «الإسرائيلية» المستمرة على قطاع غزة.
* ثانياً: أن هذه الزيارة تأتي انعكاساً للتغيرات السياسية، التي شهدتها البرازيل خلال الشهور الماضية، وأفضت إلى وصول اليمين إلى سدة السلطة في البلاد، مما كان له تداعيات واضحة على السياسة الخارجية البرازيلية، التي أضحت أكثر ميلاً نحو التقارب مع «إسرائيل» والولايات المتحدة.
* ثالثاً: تأتي زيارة الرئيس البرازيلي ل«إسرائيل»، في توقيت غاية في الأهمية؛ لأنها جاءت قبل أيام قليلة من انطلاق الانتخابات العامة، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي؛ حيث يواجه فيها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو منافسة قوية من جانب الجنرال بيني جانتس، وكأن الزيارة أتت في سياق الدعم السياسي لنتنياهو.
ومع ما تكتسبه الزيارة التي بدأها الرئيس البرازيلي ل«إسرائيل» في 31 مارس/آذار الماضي، والتي استمرت لمدة أربعة أيام، من أهمية محورية، فإنها حملت في طياتها مجموعة من الرسائل المهمة، والتي من أبرزها: أن وصول اليمين المتطرف إلى قيادة البرازيل مع فوز جايير بولسونارو في الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر الماضي، سيحمل في طياته تغييراً جوهرياً في مواقف البرازيل، التي اعترفت بالدولة الفلسطينية في عام 2010، وساندت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية طوال سنوات حكم اليسار للبلاد (2002-2016).
وليس قيام بولسونارو بافتتاح مكتب تجاري في القدس، يُعنى بتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار، باعتباره جزءاً من السفارة البرازيلية، سوى خطوة أولى على طريق تنفيذ الرئيس البرازيلي وعوده الانتخابية، بأن يحذو حذو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويقوم بنقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى القدس؛ وذلك استجابة لمطالب ملايين البروتستانت الإنجيليين، الذين اعتمد عليهم بولسونارو بشكل كبير في فوزه في الانتخابات الرئاسية؛ حيث يتبع هؤلاء مفاهيم الصهيونية المسيحية، التي تربط بين عودة اليهود إلى الأرض المقدسة وإقامة دويلة «إسرائيل» وعودة المسيح المنتظر.
وكانت زيارة الرئيس البرازيلي ل«حائط المبكى» مؤشراً آخر على اعتراف البرازيل ضمنياً بيهودية القدس المحتلة، وسيادة «إسرائيل» عليها، خاصة أن بولسونارو يُعد أول رئيس دولة أجنبية يرافقه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» في زيارة الموقع المقدس، إضافة إلى زيارته لمتحف «الهولوكوست» الشهير في «إسرائيل».
جدير بالذكر أن زيارة بولسونارو هي الأولى لرئيس برازيلي ل«إسرائيل» منذ عام 2010، حينما زارها الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا، وكذلك الضفة الغربية، ووضع إكليلاً من الزهور على قبر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في حين رفض زيارة قبر تيودور هرتزل. وفي المقابل لم يقم بولسونارو خلال رحلته بالاجتماع مع مسؤولي السلطة الفلسطينية أو حتى زيارة رام الله.
ومن الرسائل المهمة الأخرى، التي تحملها زيارة بولسونارو أنها تدشن لحقبة جديدة في تاريخ العلاقات «الإسرائيلية» - البرازيلية؛ حيث جاء الرئيس البرازيلي خلال زيارته على رأس وفد كبير يضم مجموعة من الوزراء ونواب البرلمان ورجال الأعمال، ليشكل بذلك أكبر وفد برازيلي زار «إسرائيل». إضافة إلى ما تمخضت عنه تلك الزيارة من عقد اتفاقات مهمة، تغطي مجالات عدة، من أبرزها: التكنولوجيا، الأمن العام، الدفاع، الأمن السيبراني، الطيران، الصحة. كما شارك بولسونارو في منتدى لرجال الأعمال «الإسرائيليين» والبرازيليين، وقام بجولة في معرض الابتكار «الإسرائيلي». وشهدت الزيارة كذلك إعلان وزير الطاقة «الإسرائيلي» أن شركة النفط البرازيلية العملاقة «بتروبراس» ستشارك في مناقصة؛ للتنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل الفلسطيني المحتل. وهو ما يكشف عن اتجاه العلاقات بين البلدين للتطور في المستقبل؛ حيث يأمل بولسونارو في تعزيز التعاون بين البلدين؛ عقب زيارته.
ومن المتوقع أن تسفر الزيارة عن تنامي العلاقات العسكرية بين البلدين في ظل الأخبار المتداولة عن قيام مسؤولين «إسرائيليين» بمناقشة بولسونارو في مسألة بيع طائرات بدون طيار متطورة للبرازيل، كما تم الاتفاق على تعيين ملحق «إسرائيلي» للأمن العام في البرازيل لأول مرة. وهذه الخطوات تمثل أهمية خاصة لبولسونارو، الذي تعهد بالتصدي لمشكلة ارتفاع معدل الجريمة.
وتقدم الزيارة قدراً من الدعم لنتنياهو؛ إذ يرى أن زيارة الرئيس البرازيلي تمثل فرصة مهمة لتعزيز العلاقات مع قوة صاعدة مهمة بعدد سكان يبلغ 200 مليون نسمة، وكانت تتخذ حتى وقت قريب مواقف مؤيدة للفلسطينيين؛ بل ولإيران. وهو ما يعكس التوظيف السياسي لزيارة بولسونارو من قبل نتنياهو، ليظهر للداخل «الإسرائيلي» باعتباره زعيماً يحظى بالدعم الدولي.
وكان التقارب الشخصي بين الرئيس البرازيلي ونتنياهو واضحاً في الاستقبال الحار للرئيس البرازيلي من قبل نتنياهو في مطار بن جورين؛ حيث تبادلا عبارات «صديقي الرئيس»، و«أخي العزيز»، وقال بولسونارو باللغة العبرية خلال مراسم الترحيب به في المطار «أحب «إسرائيل». ومثل هذا التقارب الشخصي برز بشكل كبير في قيام نتنياهو بزيارة ريو دي جانيرو خصيصاً؛ للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس البرازيلي في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، وكانت تلك الزيارة الأولى لرئيس وزراء «إسرائيلي» حالي للبرازيل.
وفي ضوء ما سبق، يبقى مستقبل الموقف البرازيلي من القضية الفلسطينية مرهوناً باستمرار الضغوط الداخلية؛ لمنع نقل سفارة البرازيل من «تل أبيب» إلى القدس، والتي تمارسها بعض جماعات الضغط المدافعة عن مصالح المزارعين، وكذلك الفريق الاقتصادي في حكومة بولسونارو.
إضافة إلى الضغوط الداخلية التي تقودها المعارضة اليسارية البرازيلية؛ لمنع نقل السفارة؛ حيث قام زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ روندولفو رودريجيز بزيارة السفارة الفلسطينية في برازيليا، ليعلن أن الرئيس بولسونارو لا يمثل ضمير الشعب البرازيلي، رداً بذلك على زيارة الأخير ل«إسرائيل».
علاوة على أن الضغوط العربية تظل هي الحاسمة، خاصة أن الدول العربية تستورد من البرازيل «اللحوم الحلال» التي قدرت بنحو خمسة مليارات دولار، وبلغ إجمالي تجارة البرازيل مع الدول العربية 20 مليار دولار عام 2018، وقد ساهمت الضغوط العربية في إرجاء قرار الرئيس البرازيلي الخاص بنقل السفارة على وقع الأزمة الاقتصادية، التي تعانيها بلاده.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية والكاريبي
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"