عجمان أم الكتابة

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

نسر الجبال وحده ينطلق دفعة واحدة في السماء الزرقاء خفيفاً ويعلو ثم يعلو حتى يغيب عن الأنظار

رسول حمزاتوف

(1)

تطل الابتسامة الصباحية الندية على عالم يكتظ بأشياء مختلفة، كشمس حانية تطوّق أرضاً باردة. تطير هذه الابتسامة على جناحيها للكتابة، كمن يؤوب إلى عشه الصغير بعد غياب طويل.

فمن أين أتيتِ؟ أجئتِ من عمق النبع الذي ظل صامتاً أم من عيون بحرية هادئة؟! هل أقبلتِ من قامات النخيل الشامخة أم من أغوار الطفولة البيضاء؟

وكأنك أتيتِ لمشاغبة الندى على الأشجار، ولتمسحي على رأسي الحزن، وتنثري بعض البذار. وقد أفقت في هذا الصباح من سبات (صحوة) قديمة، تدافعت من شغف عتيق للكلمات، ممزوجة بمحبة بحرية أصيلة تقتحم الصباح بلا استئذان.

عيناكِ الضاحكتان - أيتها الابتسامة - تحرك الشفاه النائمة في وجه الكلمات، مثل موج يهز السفن الغافية. فتنطلق مرحة يقظة، كاشفة المنسي مطراً هاطلاً على أرض خاوية!

(2)

من أين تطلين أيتها الابتسامة؟

أصابعك العشر تومئ الى بلدي الصغير مثل عناقيد العنب المتدلية، كم هي شهية عناقيد العنب في لحظة جوع وظمأ.

صباحك جميل يا بلدي، أيتها الكتابة العصية.

تحتوينا - يا بلدي - بمودة أب غامرة.

وينعش بحرك البهي الذاكرة، ذاكرة الحياة والإبداع، والفنون الجميلة. فتمتد يداك الى جذرك العتيق، تتساءل كيف أنتَ الآن؟ يباغتك الوجع، وترنو إليك الدهشة.

يتحدث إليك بأسماء روت البياض بمداد الكلمات، وأشعلت مخيلتك بروح القصيد، فتطل وجوه منحوتة من تلك الذاكرة.

(3)

تشير إلى الهزّار الشادي/حمد خليفة بوشهاب والذي ظل منشداً الأشعار، وجامعاً قصائد الشعراء بهمة عالية، حاملاً وهجه الشعري أينما حل وسكن. وما زال بيته العريق في عجمان يسأل عن ينبوعه الثر الغزير من الأشعار.

هل تتذكرون الآن هزارنا الشادي وأشعاره التي تراكم عليها الغبار؟! أتتذكرون دأبه الدؤوب في جمع قصائد الشعراء ونشره للدواوين؟

فما زال هذا الشاعر قامة راسخة في ذاكرتنا الشعرية مثل نخيل بلاده، وما زال راشد الخضر أحد الوجوه الساعة من هذه الذاكرة، ولا ننسى الشاعر سالم الحداد الذي ما زال مغموراً في أعماق الشعر كما اللؤلؤ في المحار.

نعود للذاكرة فتتوقد كتابات راشد عبدالله، وسلمى مطر سيف وناصر جبران وأمينة بوشهاب وآخرين.

ويطل راشد الحمضة كأول مؤسس للاذاعة المحلية في أوائل الستينات من القرن الماضي في إمارة عجمان، وبجهد اعلامي متواضع، ولكنه في غاية الأهمية، ضمن سياقه التاريخي والاعلامي.

تأملوا الاذاعات المحلية قليلاً، بمن تحفل؟ ولمن تحتفل الآن؟!

(4)

أيتها الابتسامة السحرية، تذكري بلدي دائماً كيف كان مضيئاً ورائقاً؟ ولتحفظي صورته العريقة من النسيان، واغسلي وجهك من ضوء مائه، وشفافية بحره، واذكري كنزه العميق الذي ما زال مخبوءاً كما القلب.

(5)

بلدي الصغير.. الوهج يدوي الآن، هل تسمعه؟

هل تراه؟

فمازالت أشعار أمل دنقل ومحمود درويش وعارف الخاجة تدوي في داخلنا منذ كنا صغاراً.

فهل صارت صورتك مختلفة يا بلدي؟ هل غدوت أكثر جمالاً أم ازدحاماً؟! هل تتغير كما تتغير الأشعار؟

(6)

يا بلدي، لمَ تأتين بكل هذا البهاء مغسولة بندى القلب وورد العين

تمهلي قليلاً قبل طرق بابي

وكأنك تخبئين ثورة الجذور

تمهلي قليلاً قبل البذار

أهو كل هذا الحب أم الربيع أم الليل الطويل؟

حنانيك يا عجمان وقت الأرق، فلا تتركي نورنا يذهب بعيداً وأنتِ أم الكتابة.

*صحوة عنوان مقالة مكتوبة عن عجمان

ومنشورة في الخليج الثقافي في التسعينات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"