«العراق».. تحديات تطارد حكومة الكاظمي

02:54 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

جاء تكليف مصطفى الكاظمي، كرئيس وزراء جديد للعراق، في محاولة ثالثة وأخيرة لإخراج البلاد من حالة الجمود السياسي التي يعيشها منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في ديسمبر الماضي، بعدما فشل كل من محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي في تشكيل الحكومة، بسبب عوامل متشابهة تمثلت في رفض الأحزاب والكتل السياسية التي تسيطر على المشهد العراقي منذ عام 2003 للمرشحين باعتبار أنهما ليس من ترشيحها؛ حيث جاء ترشيحهما من رئيس الجمهورية.
رفض الشارع العراقي المرشحين أيضا باعتبارهما من المحسوبين على الطبقة السياسية التي يطالب المحتجون في الشارع العراقي منذ أكتوبر الماضي بتنحيتها عن المشهد، ومحاسبتها؛ باعتبارها مسؤولة عن تدهور أوضاع البلاد الاقتصادية والخدماتية، وانتشار الفساد؛ ولذا وقع علاوي والزرفي بين مطرقة النخبة وسندان الشارع، إضافة إلى التجاذبات الإقليمية والدولية خاصة الأمريكية الإيرانية.


حظوظ أفضل


ربما على خلاف سلفيه؛ فإن هناك حظوظاً وفرصاً عدة لنجاح الكاظمي في تشكيل الحكومة وتمريرها داخل البرلمان، أبرزها: شخصيته كرجل أمني تولى رئاسة جهاز الاستخبارات العراقية، ولعب دوراً بارزاً ومهماً في هزيمة تنظيم «داعش»، ما أكسبه ثقة النخبة والشارع العراقي، كما أنه ليس شخصية سياسية بارزة داخل الطبقة السياسية الحاكمة، ومن ثم يقلل هذا من اعتراض الشارع العراقي عليه، والذي يرفض دائماً أي شخصية تولت منصباً أو كانت جزءاً من الطبقة الحاكمة، إضافة إلى أن أغلب الكتل السياسية العراقية الرئيسية أبدت قبولها ضمناً لترشيح الكاظمي، وهو ما بدا في حضور رؤساء الكتل السياسية العراقية الشيعية مراسم تكليف الكاظمي، خاصة زعيم تنظيم بدر هادي العامري ورئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورجل الدين الشيعي، عمار الحكيم، وهو ما يعني أن البيت الشيعي متوافق بشكل كبير على الكاظمي، على عكس سلفيه السابقين، كما أن الكاظمي يحظى بعلاقات قوية مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية، خاصة الولايات المتحدة وإيران، وكذلك الدول الإقليمية وهو ما يدعم فرصه أيضاً، وإلى جانب كل ذلك فإن الظروف التي يمر بها العراق خاصة تداعيات فيروس «كورونا» وانهيار أسعار النفط تفرض ضرورة التوصل إلى تشكيل حكومة عراقية، والخروج من حالة الانسداد السياسي؛ لمواكبة التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.


تحديات سياسية


تواجه حكومة مصطفى الكاظمي العديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، منها السياسية، وتتمثل في قدرته على تشكيل حكومة وحدة وطنية من كفاءات وطنية تتسم بالنزاهة والمهارة؛ لمواجهة التحديات ولكسب ثقة الشارع العراقي، وعلى الرغم من أن الكاظمي اختار أغلب الوزراء، فإنه يواجه بتحدي ضغوط الكتل السياسية المختلفة الشيعية والسنية والكردية؛ لفرض أسماء وزارية محسوبة عليها، وضمان تمثيلها في مجلس الوزراء، وهذا يعني أنه إذا قبل بمطالب الأحزاب السياسية في اختيار الوزراء فسوف يفشل في مهمته؛ لأنها ستكون تكراراً لتشكيلة الحكومات السابقة، وإذا رفض مطالب الأحزاب فهذا يعني أنها سوف تقوم بإفشاله ووضع العقبات أمام تمرير حكومته في البرلمان على غرار ما حدث مع علاوي والزرفي؛ ولذلك التحدي أمام كاظمي هو تحقيق التوازن والتوافق بين مطالب وضغوط الأحزاب وكسب ثقة الكتل السياسية المختلفة، خاصة الكردية والتركمانية والسنية، التي تطالب بتمثيل معقول لها في الحكومة، واختيار عناصر تتسم بالكفاءة والقبول الشعبي في حكومته.


تحديات اقتصادية


أما التحديات الاقتصادية فتعد الأخطر والأكبر أمام الحكومة العراقية الجديدة، خاصة في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر في المدن والمحافظات العراقية، وتردي الأوضاع المعيشية والخدماتية للمواطن العراقي، خاصة الكهرباء والمياه النظيفة وغيرها، والتي كانت سبباً في تفجر الاحتجاجات منذ أكتوبر الماضي، ودفع الشارع بسببها ثمناً غالياً مع سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى؛ احتجاجاً على الطبقة السياسية وانتشار الفساد ومطالبته بالتغيير الشامل، وقد زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية أزمة فيروس «كورونا» وما أدت إليه من تداعيات سلبية كبيرة على العراق؛ بسبب الإجراءات الاحترازية وتوقف الكثير من القطاعات الإنتاجية عن العمل، وتوقف حركة التجارة الخارجية وحركة السياحة وغيرها.
وهناك تحد أكبر، يتمثل في انهيار أسعار النفط لأقل من عشرة دولارات، ما يمثل ضربة قاصمة للعراق، ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في «أوبك»؛ حيث تعتمد بشكل أساسي في مواردها على عوائد تصدير النفط، وبالتالي هناك شح كبير في الموارد المالية للحكومة العراقية، وهذا يفرض عليها صعوبات وتحديات في تمويل الموازنة العامة للدولة وتخصيص مبالغ للإنفاق على قطاعات الصحة والبنية الأساسية والخدمات والتوظيف وغيرها، وكذلك في توزيع الموارد بين أقاليم البلاد خاصة إقليم كردستان الذي يطالب بزيادة مستحقاته في الميزانية المركزية.
ولاشك أن هذا التحدي الاقتصادي سيقيد بشكل كبير حركة الحكومة الجديدة خاصة في قدرتها على تلبية احتياجات الشارع، ويفرض عليها البحث عن موارد جديدة غير موارد النفط؛ لتحقيق التنمية والاستثمار وتحسين أحوال معيشة الشعب العراقي الذي أجبرته أزمة «كورونا» على وقف الاحتجاجات في الشارع مؤقتاً، لكن استمرار الأزمة واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية قد ينذر بكوارث وعواقب وخيمة، ما يفرض على الكاظمي سرعة التحرك قبل أن تتدهور الأمور وتخرج عن السيطرة.


نزع سلاح الميليشيات


في التحديات الأمنية سيظل نزع أسلحة الميليشيات وحصر السلاح بأيدي الدولة التحدي الأمني الأكبر، فعلى الرغم من أن كل رؤساء الوزراء الذين تم تكليفهم قد رفعوا شعار حصر السلاح فقط بأيدي الدولة، فإنه من الناحية العملية لم يستطع أحد تسوية هذا الملف مع استمرار الميليشيات المسلحة، وعلى رأسها ميليشيات «الحشد الشعبي» والتي لعبت دوراً في محاربة تنظيم «داعش»، وعلى الرغم من أنها نظرياً قد تم ضمها للقوات المسلحة العراقية، فإنها على الأرض تحظى بالاستقلالية وتؤثر في العملية السياسية،؛ ولذلك فإن التحدي الكبير أمام مصطفى الكاظمي يكمن في تنفيذ خطابه بحصر السلاح في أيدي الدولة، وربما ما يدعمه في ذلك هو انسحاب أربع ميليشيات رئيسية من «الحشد الشعبي» وانضمامها إلى القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، وتزايد المطالب الشعبية بحل الميليشيات المسلحة، خاصة بعد الاتهامات لبعض تلك الميليشيات بإطلاق النار على المحتجين في الشارع العراقي خلال الشهور الماضية ولم تتم محاسبة أي منها.
وهناك التحدي المتعلق بكيف يستطيع الكاظمي حل مسألة القوات الأجنبية الموجودة في العراق وكيف يمكن له أن يحيد العراق كساحة صراع وتنافس بين الولايات المتحدة وإيران، يدفع ثمنها، وأن يعزز السيادة العراقية التي اعتبرها خطاً أحمر.
العراق في مفترق طرق واضح، إما التقدم إلى الأمام بتشكيل الحكومة وترتيب الأولويات وتحقيق التنمية والاستقرار السياسي والأمني، وإما الدوران في حلقة مفرغة وتفاقم تأثير التداعيات الاقتصادية والأمنية على البلاد، وهذا هو التحدي الأكبر أمام حكومة الكاظمي.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"