السودان.. هل ينطلق السلام من جوبا؟

03:23 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أيمن شبانة *

بدأت في جوبا، عاصمة جنوب السودان، مفاوضات السلام المباشرة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة النطاق؛ سعياً لإنجاز تسوية شاملة للصراعات المحتدمة بالبلاد، واستكمال مبادئ ثورة ديسمبر 2018، «حرية، سلام، عدالة»، وإعمال بنود الوثيقة الدستورية، الموقعة في 17 أغسطس/آب الماضي، والتي منحت ملف إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل والشامل أولوية قصوى، خلال الأشهر الستة الأولى للمرحلة الانتقالية.
كان سلفاكير ميارديت، رئيس جنوب السودان، قد دعا الفرقاء السودانيين للتفاوض بجوبا. وهو ما قبله المجلس السيادي السوداني، اعتماداً على الروابط الشعبية والمصالح المشتركة مع الجنوب، ورصيد الثقة الوافر الذي تتمتع به دولة الجنوب لدى الحركات المسلحة. وبالفعل عقدت لقاءات تشاورية بين ممثلي الحكومة السودانية والحركات المسلحة، أفضت إلى توقيع إعلان جوبا في11 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي دعا إلى بدء المفاوضات في 14 أكتوبر/تشرين الأول؛ بعد خطوات تمهيدية لبناء الثقة، تشمل وقفاً لإطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى والسجناء، ومخاطبة جذور الصراع، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب، وإرجاء تشكيل حكومات الولايات حتى توقيع اتفاق السلام.
استناداً إلى ذلك، أكد المجلس السيادي أن السلام هو خياره الاستراتيجي، كما أفرج عن العديد من معتقلي الحركات المسلحة، وعيّن رئيس المفوضية القومية للسلام. فيما جددت الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، الالتزام بوقف إطلاق النار. وانتخبت الجبهة الثورية قيادة موحدة، تعبر عن أجنحتها، برئاسة الهادي إدريس؛ وذلك حتى تحسن موقفها التفاوضي خلال عملية السلام.

مفاوضات مباشرة وغياب معتاد

مهد ذلك لانطلاق المفاوضات المباشرة، التي مثل الحكومة فيها وفد ترأسه نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، فيما شاركت الحركات المسلحة بوفدين، يمثلان الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، والجبهة الثورية؛ وذلك للتعبير عن محاور الصراع الأربعة: دارفور، إلى جانب المنطقتين (جبال كرفان والنيل الأزرق)، الشرق، الشمال.
أما حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، فقد سجلت غيابها المعتاد، رغم توجيه الدعوة إليها للمشاركة في المفاوضات؛ حيث ترفض الحركة الاعتراف بالمجلس السيادي والحكومة الانتقالية، مؤكدة أن الفشل سيكون مصير مفاوضات السلام الجارية؛ لكونها تنطلق من فلسفة المحاصصة، والرغبة في حصاد النصيب الأكبر من كعكة الثروة والسلطة، بعيداً عن المصالح العليا للشعب السوداني.
تم الاتفاق على أن تمتد الجولة الأولى للمفاوضات لمدة شهر، وأن تقتصر أجندتها على الملفات الإجرائية، وآليات التنفيذ والأسقف الزمنية، مع إرجاء الملفات الأمنية والإنسانية، وبحث كي
فية التعامل مع اتفاقات التسوية السابقة، أبوجا والدوحة والشرق، وهل سيتم اصطحابها والبناء عليها؟ أم تجاهلها. وقد انقسمت الآراء بشأن مصير المفاوضات، فأبدى البعض قدراً من التفاؤل، اتساقاً مع روح الثورة السودانية، فيما تخوف آخرون من أن تسير المفاوضات على نهجها السابق، فتتوالى جولاتها الفاشلة، دون أن تحقق اختراقاً نوعياً صوب السلام الشامل.
استند التيار الأول لكون المفاوضات تجري في ظل معطيات مختلفة عما كانت عليه في السابق. فهي تجري بين شركاء ناضلوا جميعاً لأجل إطاحة نظام الإنقاذ الوطني، وليس بين خصوم يناصبون بعضهم العداء. ويتضح ذلك من تصريحات رئيس الوفد الحكومي، الذي وصف الحركات المسلحة بحركات الكفاح الوطني، ولم ينعتهم بالمتمردين. وأكد أنهم يشكلون جزءاً أصيلاً من الثورة السودانية. وشدد على تمسك الحكومة بتوقيع اتفاق سلام ينهي الحرب، مبشراً الشعب السوداني باحتفال وشيك بالسلام.
كما تستند المفاوضات إلى ظهير خارجي داعم للعملية الانتقالية، وراغب في تحقيق السلام، ومساعدة السودان على الانعتاق من عزلته الدولية، التي أوقعه في شراكها نظام الإنقاذ البائد. وهو ما يتسق مع المزاج العالمي الذي لا يحتمل المزيد من الصراعات بإقليم الشرق الأوسط. وهنا أكد مبعوث الاتحاد الأوروبي لدى السودان دعم الاتحاد لمفاوضات جوبا، وتأييده لرفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب العالمي؛ وذلك خلال الاجتماع القادم لمجموعة أصدقاء السودان بواشنطن.

التشكيك في «اتفاق سلام»

في المقابل، يشكك البعض في إمكانية إنجاز اتفاق السلام خلال الأشهر الستة القادمة، خاصة أن المفوضية القومية للسلام لم تتشكل بعد، وأن المجلس الأعلى للسلام تم إعلانه قبل أقل من أسبوعين من انطلاق المفاوضات. كما أن استمرار الجولة الإجرائية الحالية لمدة شهر يعد مؤشراً على أن المفاوضات سوف تتجاوز المدى الزمني المحدد لها.
يتخوف بعضهم أيضاً من أن دولة جنوب السودان لا تتمتع بالثقل السياسي والاقتصادي اللازم لإنجاح المفاوضات، خاصة أنها هي الأخرى لا تزال غارقة في حربها الأهلية الطاحنة منذ عام 2013. وهو ما عكسته المطالبات بنقل المفاوضات إلى الخرطوم؛ بعد توفير الضمانات اللازمة للحركات المسلحة، أو نقلها للمملكة العربية السعودية أو الإمارات، باعتبارهما الأقدر على إنجاز التسوية المنشودة، على غرار دورهما المحوري في تسوية النزاع الإثيوبي-الإريتري في يوليو/تموز 2018.
كما أن تباين مطالب الحركات المسلحة، وتعدد مسارات التفاوض، ربما يلقي بظلال وخيمة على المفاوضات؛ حيث تطالب الجبهة الثورية بالحكم الذاتي في دارفور، فيما تتمسك الحركة الشعبية قطاع الشمال بتقرير المصير بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وعلمانية الدولة، الأمر الذي من المؤكد أنه سوف يرفض من قبل المجلس السيادي. كما أن غياب حركة تحرير السودان عن المفاوضات سوف يقلل بالطبع من حظوظها في النجاح.

ترتيبات استيعاب المسلحين

كما تتفاوت وجهات نظر الحركات المسلحة حول ترتيبات استيعاب مسلحيها في القوات المسلحة السودانية؛ حيث تطالب أغلب الحركات بأن يشمل قرار حل الفصائل المسلحة قوات الدعم السريع أيضاً، حتى يكون للبلاد جيشها الموحد، وهو أمر بالغ الصعوبة، بالقياس إلى دور قوات الدعم السريع في تأمين المرحلة الانتقالية الجارية بالبلاد.
إضافة إلى ما سبق، فهناك أطراف داخلية لا ترغب في تحقيق السلام بالسودان، خاصة فلول النظام السابق، التي تتخوف من أن يعضد السلام سلطة الإدارة الحالية، بما يحفزها لتطبيق إجراءات العدالة الانتقالية، وهو ما قد يقضي على مكتسباتهم التي حققوها خلال عهد الإنقاذ، وربما يزج بهم في غياهب السجون.
لكل ما سبق، فمن المرجح أن طريق السلام في السودان لن يكون ممهداً، وأنه سيحتاج للكثير من جولات التفاوض، التي سيتجاوز أمدها الستة أشهر المأمولة. وهو ما يتطلب مزيداً من الواقعية السياسية من الأطراف المتفاوضة؛ وذلك بالعمل أولاً على حسم بعض القضايا المتعلقة بالترتيبات الأمنية، والجوانب الإنسانية، وإشراك قادة الحركات المسلحة في هياكل الحكم الانتقالي بالمركز والولايات، مع إرجاء بعض الملفات الأخرى، خاصة التعويضات والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار؛ ليتم بحثها في إطار مؤتمر دستوري شامل، لا يستثني أحداً؛ بحيث يعقد في النصف الثاني للمرحلة الانتقالية أو بعد انتهائها.

* مدير مركز البحوث الإفريقية - جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"