أحمد العامري: مبادرات عالمية على أجندة «الشارقة للكتاب»

حوار
01:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
حاوره: محمدو لحبيب

تحت شعار «افتح كتاباً.. تفتح أذهاناً»، تفتح الشارقة عبر معرضها الدولي للكتاب في دورته ال 38، أبواب التوقعات الإماراتية والعربية، لطموحات تتجاوز التنظير، لتصل إلى ترسيم خريطة طريق دولية وعالمية للكتاب، تبدأ من قلب مشروع الشارقة الاستراتيجي في مجال الكتاب المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، لتحجز مكاناً واثقاً ومتسعاً في المشهد الثقافي العالمي.
المعرض هذا العام محط أنظار الكثيرين حول العالم، فالأرقام التي أعلنت عنها هيئة الشارقة للكتاب كجهة منظمة، كبيرة جداً على مستوى الحضور من دور النشر التي تبلغ 2000 دار من 81 دولة عربية وأجنبية، ومن عدد الكتب المعروضة، وعدد الندوات والفعاليات الذي يصل إلى 987 فعالية، ومن ضيوف المعرض الذين يناهزون السبعين كاتباً وروائياً، و يتميزون هذه الدورة بنوعياتهم المؤثرة والرفيعة والنخبوية.
يفتح المعرض إذاً أذهان العرب والإماراتيين وعديد الناس حول العالم لأسئلة شغوفة كثيرة من قبيل: ما الذي ستفاجئنا به الشارقة كما عودتنا من إنجازات في هذا المعرض وبعده، والذي يأتي في ظرف استثنائي يتمثل في عام احتفالية الشارقة عاصمة عالمية للكتاب؟ ما المعايير المطبقة في التعامل مع حقوق الملكية الفكرية؟ وكيف يتجسد انعكاس المعرض في السياحة الثقافية باعتبارها أصبحت ركيزة أساسية في التنمية ومخططاتها في معظم دول العالم؟
تلك الأسئلة وغيرها حملتها «الخليج» إلى أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، فحاورته حولها وحول بعض الأمور المتعلقة بهذا المعرض في دورته الخاصة هذه.

عمل دائم

* يتزامن المعرض هذا العام مع احتفالية الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، ماذا يمكن أن نتوقع خلاله وبعده لتأكيد تلك المكانة الثقافية الدولية للإمارة؟
نحن في هيئة الشارقة للكتاب في ديمومة عمل متواصلة لرفع اسم الشارقة عالياً في كل المنصات والمحافل المحلية والدولية، وحين نتحدث عمّا بعد هذا المعرض الاستثنائي، يمكنني أن أقول مباشرة، سنستمر في تطوير ومواكبة المشروع الثقافي للإمارة الذي يستمر منذ ما يناهز الأربعة عقود، والذي عمل من أجله بصبر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ولا يزال يعمل بعطاء لا حدود له، ذلك أن هدف هذا المشروع عظيم حقاً، وهو الارتقاء بالإنسان من خلال الكتاب.
نحن لدينا بعدان نعمل عليهما في الهيئة، بعد محلي يتمثل في تعزيز دور المكتبات، ودور القراءة، والتعاون مع الكُتاب الإماراتيين وجمعية الناشرين، بغية تعزيز هوية النشر عندنا، والوصول به إلى مستويات عالمية، وفي البعد الآخر لعملنا نسعى إلى أن نبرز مكانة الشارقة راعية للكتاب ومنارة له حول العالم.
أما بخصوص ما نسعى لتحقيقه في الدورة الجديدة للمعرض، فإننا حريصون على أن تكون دورة المعرض استثنائية على مختلف المستويات، فالمعرض لا يجمع 2000 دار نشر من مختلف بلدات العالم وحسب، وإنما يفتح المجال أمام مختلف فئات المجتمع للقاء مبدعين كبار، لهم تاريخهم الطويل في العمل الإبداعي، حيث نستضيف أدباء وفنانين حصدوا جائزة نوبل للآداب وجائزة الأوسكار وجائزة البوكر العالمية للرواية.
ونحن لا نسعى إلى تحقيق أرقام فيما نقدمه، وإنما ننظر إلى جودة ما يقدمه المعرض، فإلى جانب الاختيارات النوعية والمميزة التي تشهدها فعاليات المعرض، فإننا عملنا على تكثيف الفعاليات وتنويعها لتتوزع على البرامج الفكرية والثقافية والعلمية وأيضاً هنالك برنامج مخصص لمواقع التواصل الاجتماعي، وبرنامج شامل للأطفال يستضيف مسرحيات وينظم ورشاً نوعية يقدمها خبراء وفنانون من مختلف بلدان العالم.
إلى جانب ذلك يشهد المعرض معرضاً لرسوم كتب الطفل يقدم أعمالاً لفنانين عالميين، وفي الوقت نفسه يفتح المعرض أبوابه أمام قادة النشر الإلكتروني، ومختلف أشكال العمل على تقديم الكتب مسموعة أو مرئية أو غيرها.

طاقة إيجابية

*كيف يمكن أن تسهم هذه المكانة التي وصل إليها المعرض، ووصلتها الشارقة في مجال الكتاب، في إنشاء مبادرات لحل الأزمات التي تعانيها الثقافة العربية؟
التحدي الحقيقي والوحيد الذي يمكن اعتباره تحدياً هو ألا تكون هناك خطط ومبادرات لمواجهة كل ما يواجه جهود الارتقاء بصناعة الكتاب العربي، والارتقاء بالحراك الثقافي العربي، ونحن في إمارة الشارقة، نمضي منذ أكثر من 40 عاماً وفق خطة واضحة المعالم، رسم مسارها صاحب السمو حاكم الشارقة، حين اختار الكتاب دليل نهضة، وسبيل حوار تلاقٍ مع مختلف ثقافات العالم.
لهذا لا يمكن الحديث عن منظومة العمل للارتقاء بواقع الثقافة العربي وتجربة الكتاب والمؤلف والناشر، من دون النظر إلى مختلف الجهود التي تمضي بها الشارقة، فنحن نعمل وفق استراتيجية تكاملية ونستهدف بكل ما تعمل عليها، أركان العمل الثقافي كافة، بدءاً من القارئ، ومروراً بالكاتب، والناشر، وصولاً إلى المترجم، والموزع، والمكتبي، وغيرهم من ركائز الفعل المعرفي.
من جهتها قادت هيئة الشارقة للكتاب الكثير من المبادرات خدمة للحراك الثقافي العربي، والإماراتي، كان أبرزها إطلاق منحة الترجمة التي ترجمت حتى الآن ألف عنوان من اللغة العربية إلى لغات أجنبية متعددة، وترجمت 60 كتاباً لمؤلفين إماراتيين وعرب إلى خمسة لغات مختلفة، وذلك خلال فعاليات الاحتفاء بالشارقة ضيف شرف على عدد من المدن المركزية في الثقافة العالمية، كلها تترجم للمرة الأولى إلى البرتغالية، والإسبانية، والروسية، والإيطالية والهندية.

حقوق وضوابط

* هل يمكن أن تتعاونوا في الهيئة مع دور النشر المشاركة في المعرض، من أجل أن يوفروا محتوى جيداً ومنتقى؟
الحقيقة لا نتدخل في ذلك المجال لسبب بسيط، هو أن ما يبدو لك أنت محتوى جيداً، قد يبدو لآخرين محتوى غير جدير بالقراءة ولا الاهتمام، أغلب الناس تقرأ على مزاجها، لكننا قمنا بشيء آخر من أجل مساعدة الذين يرغبون في تجويد المحتوى ونشره، لقد أنشأنا جائزة ترجمان، وهي أكبر جائزة للترجمة على مستوى العالم، تهتم بترجمة الأدب العربي الأصيل والنخبوي إلى اللغات الأخرى، نحن من خلال هذه الجائزة التي تصل قيمتها إلى مليوني درهم، نشجع الآخر على نشر الجيد جداً من أدبنا، كما نشجع بالتوازي مع ذلك دور النشر العربية على الاهتمام بذلك المحتوى الخاص،
والجائزة تمنح بالتقسيم ما بين دار النشر الأجنبية التي تتولى الترجمة، والدار العربية صاحبة حق ملكية النص المترجم، مع إعطاء النصيب الأكبر منها للدار التي ترجمتْ، لأنها اشترت الحقوق من الدار العربية.
من جهة أخرى، نحن نشجع المحتوى وتجويده بمنحنا عدة جوائز خلال المعرض من بينها، جائزة أفضل كتاب إماراتي، وأفضل كتاب عربي، وهي جوائز مهمة ترتقي بالذائقة وتنهض بالفكر، وتحتضن الإبداع، أيضاً نحن نحرص على أن يكون من بين ضيوفنا من كتبوا كتبا متميزة وبمحتوى جيد يقبل الناس عليه.
* كيف تتعاملون في المعرض مع الكتب المقرصنة والكتب غير المرخصة، والتلاعب بالأسعار من قبل بعض دور النشر؟
كما أننا لا نمنع أي كتاب، ولا نتدخل في المحتوى الذي تعرضه دور النشر، فإننا كذلك لا نسمح بسرقة حقوق الناشرين، والمؤلفين، لا نتهاون أبداً مع الكتاب المقرصن، نحن لا نسمح بتواجد اللصوص معنا في المعرض، وأي دار نجد أنها زورت نحرمها من المشاركة في المعرض، وهناك عدد من الدور التي اكتشفنا تلاعبها بذلك في السنوات الماضية، وحرمتْ بتاتاً من أن تدخل المعرض بعد اكتشاف سرقاتها للحقوق وتلاعبها بها، وعلى الرغم من كل التوسلات التي قدموها لم نسمح لهم بالعودة.
كذلك يتم إغلاق أجنحة دور النشر التي تتلاعب بالأسعار في المعرض، ولا يسمح لها في المستقبل بالمشاركة فيه، فمثلاً الدور التي تبيع الكتاب بمبلغ معين على مواقع الإنترنت، ثم تحاول مضاعفة السعر أو زيادته في المعرض، نقوم فور اكتشاف ذلك بإغلاق جناحها ومنعها من المشاركة في المعرض، وفي الدورة المقبلة إذا أرادت تلك الدور أن تعود للمعرض فعليها أن تقدم التزاماً بأنها لن تعود للتلاعب بالأسعار.
وهناك أيضا شيء آخر، نحن نسمح للمواقع الرقمية التي تبيع الكتب على الإنترنت بالعرض عندنا، لكننا نلزمها بأن تبيع الكتاب الصوتي أو الرقمي فقط، ولا تبيع الكتاب الورقي.

وجهة

* كيف يسهم المعرض في تفعيل ما يعرف بالسياحة الثقافية؟
هناك كثير من الناس، وخصوصاً العائلات يأتون من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي لزيارة المعرض، لأنهم صاروا يجدون فيه نوعاً من الترفيه الثقافي المناسب لهم ولأطفالهم، فالأسماء التي تشارك في المعرض، والندوات التي تقام والمناخ العام، كل ذلك جعل من المعرض إحدى واجهات السياحة الثقافية في الدولة، فحين نتحدث عن مليوني زائر يأتون للمعرض، يمكنك تخيل الحركة الاقتصادية والسياحية التي سيحدثها وجود هذا العدد في الشارقة كلها، والفنادق التي ستستفيد، إذاً فالتأثير السياحي الذي يحدثه المعرض أكبر من مساحته هو فقط، إنه الآن يجمع العالم من شرقه إلى غربه في الشارقة.
ويمكننا القول الآن إنه أصبح لدينا منتج إبداعي ثقافي اقتصادي، ولو أردنا مقارنة المعرض بسوق عكاظ القديمة المعروفة عند العرب، لوجدنا تشابهاً كبيراً، فكلاهما كان يجمع المبدعين، وفي نفس الوقت يخلق جواً تجارياً وسياحياً تنموياً، فحين نتحدث عن إجمالي المبيعات المباشرة والصفقات التي تعقد في المعرض، نستطيع أن نؤكد أن الشارقة بهذا المعرض غيرت النظرة إلى الثقافة، وربطتها بشكل عملي بمفهوم التنمية باعتبارها العملية الأشمل التي تسهم فيها المخرجات الثقافية والتبادلات التي تتم في سياقها، بين الفاعلين فيها.

أهداف ثقافية

* هل من مقاربة اقتصادية لمستوى الأرباح التي يحققها المعرض خلال السنوات القليلة الماضية؟
صاحب السمو حاكم الشارقة أوجد هذا المعرض للارتقاء بالإنسان، وليس للربح والبيع، نحن هنا لا نعتبر الربح نتاجاً لعملية العرض فقط، إننا نفكر في أبعاد فكرية وثقافية أهم، وهناك بُعد كرسه سموه منذ أول معرض وهو النهوض بالمجتمع والإنسان، وعدم التركيز على البيع والربح بمفهومه الضيق، ولا أدل على ذلك من أن سموه اشترى في أول دورة جميع الكتب من هناك، لأنه كان يريد تثبيت القناعة بأن الهدف من المعرض أكبر من مجرد حسابات الربح وأرقامه، ومع ذلك فالمعرض يوفر مناخاً اقتصادياً قوياً للشارقة أثناء انعقاده.

استراتيجية

لدينا استراتيجية تسويقية فكرية وأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي، وسنعمل على نقل المحاضرات والندوات عبرها بعد يوم أو يومين من إجرائها في المعرض، ونحن حققنا في العام الماضي رقماً مدهشاً في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بلغ التفاعل مع المعرض وبرامجه وأخباره عليها إلى أكثر من مليار متفاعل، ومن كل دول العالم تقريباً.
وهذا شجعنا على إعطاء عناية كبرى لتلك المواقع، بغية المزيد من التواصل والتفاعل، نحن نستهدف أن يكون الناس في دول عديدة قادرين على متابعة كل فعاليات المعرض وكأنهم موجودون فيه، وخصوصاً في هذه الدورة التي تحظى بمكانة خاصة لتزامنها مع سنة اللقب العالمي للشارقة بصفتها عاصمة للكتاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"