طريق الحرير الصينية تشق أوروبا

03:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد سعد أبوعامود *

ينقسم الأوروبيون بشأن مشروع طريق الحرير الجديد الذي انضمت إليه اليونان والعديد من بلدان أوروبا الشرقية، في حين تخشى القوى الاقتصادية الكبرى أن يمد النظام الصيني نفوذه السياسي إلى الغرب، وأعلنت إيطاليا رغبتها في أن تكون شريكاً في «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، وفي المقابل تتبنى ألمانيا الموقف الأكثر تشدداً تجاه الصين، وعبرت عن قلقها من استهدافها شراء حصص في الشركات الألمانية الكبرى مثل «دايملر» للسيارات و«كوكا» المتخصصة في صناعة الروبوتات، وتدرس وضع سقف للحصص التي يمكن لمستثمرين أجانب شراؤها في الشركات الألمانية.
رغم فرض الاتحاد الأوروبي قيوداً على الاستثمارات الصينية في الدول الأعضاء، إلا أن دول جنوب أوروبا ترفض تلك القيود وترحب بتلك الاستثمارات. ووفقاً لبيانات وكالة «بلومبيرج» فإن استثمارات وصفقات استحواذ الشركات الصينية في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان تجاوزت وتيرة الاستثمارات الصينية في كل من الولايات المتحدة وباقي دول أوروبا خلال عام 2018، ويمكن القول إن هذه الدول صارت من المناطق الجاذبة للصين من منظور استراتيجي.
وشهدت الفترة من يناير/‏كانون الثاني عام 2018 وحتى مارس/‏ آذار 2019 تطورات في المواقف الأوروبية أبرزها الآتي:
1 - في مايو 2018 وقع 27 سفيراً من أصل 28 من سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بكين على وثيقة تنتقد بشدة تطور مبادرة طريق الحرير، وتهاجم الصين لاستخدامها لإعاقة التجارة الحرة ودعم الشركات الصينية، وتدعي الوثيقة أن مشروع طريق الحرير يتعارض مع أجندة الاتحاد الأوروبي لتحرير التجارة ويدفع ميزان القوى لصالح الشركات الصينية المدعومة من الدولة.
2 - تصاعدت محاولات بعض القوى السياسية للتشكيك في النوايا الصينية وفي جدوى الانضمام إلى المبادرة، بعد قيام سريلانكا بمنح الصين عقد إيجار لمدة 99 عاماً لميناء استراتيجي لعدم قدرتها على سداد قروض لمشروع قيمته 1,4 مليار دولار، وتخلي ماليزيا عن ثلاثة مشاريع تدعمها بكين من بينها مشروع بناء سكة حديد بقيمة 20 مليار دولار، فضلاًَ عن تخوف باكستان، من عدم قدرتها على سداد الديون للصين.

3 - في سبتمبر 2018 أعلن عن إطلاق الاتحاد الأوروبي لخطة بديلة لطريق الحرير عرفت باستراتيجية آسيا للتواصل، ووصفت بأنها لن تثقل كاهل الدول المستفيدة بأية ديون لا تستطيع سدادها، كما أنها تهدف إلى تحسين العلاقات في مجالات النقل والتكنولوجيا والطاقة وتعزيز المعايير الخاصة بالبيئة والعمل.
4 - دعا رئيس المفوضية الأوروبية إلى سياسة خارجية أوروبية أقوى تتناسب مع قوتها الاقتصادية لمواجهة استراتيجية ترامب «أمريكا أولاً»، وللتعامل مع انخراط الصين النشط في إفريقيا وآسيا الذي يمثل تهديداً لمصالح الدول الأوروبية.
5- أصدرت المفوضية الأوروبية وثيقة استراتيجية قبل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج تنصح الدول الأعضاء بالنظر إلى الصين على أنها شريك ومنافس اقتصادي وتسعى المفوضية للموافقة على خطة مكونة من عشر نقاط لدعم الاتحاد الأوروبي ضد ممارسات تجارية صينية، مثل تقديم إعانات حكومية لشركات تتنافس في أوروبا ونقل قسري للتكنولوجيا للشركات التي تدخل سوقها، وحماية الاتحاد الأوروبي من ممارسات غير عادلة ومن الاستثمارات التي تهدد الأمن والنظام العام.
فرضت هذه التطورات أعباء كبيرة على حركة الديبلوماسية الصينية في أوروبا، وقاد الرئيس الصيني هذه الحركة بنفسه وهو ما يعكس الأهمية التي توليها القيادة الصينية لأوروبا في سياق مبادرتها، وتقديرها للصعوبات التي تواجهها، وفي هذا الإطار نشير إلى الآتي:
أ - خلال الفترة من ديسمبر/‏كانون الأول 2018 وحتى مارس/‏آذار 2019 قام الرئيس الصيني بزيارتين مهمتين لأوروبا، الأولى في ديسمبر/‏كانون الأول 2018 وشملت إسبانيا والبرتغال والثانية في مارس/‏آذار الماضي وشملت إيطاليا وموناكو وفرنسا والذي التقى فيها بالمستشارة الألمانية وبرئيس المفوضية الأوروبية.
ب - حققت الزيارة لإسبانيا نتائج محدودة لرفض حكومة مدريد التوقيع على مذكرة تفاهم حول طرق الحرير الجديدة، لإنها تفضل العمل في إطار مبادرة التواصل مع آسيا.
ج - شهدت زيارة الرئيس الصيني للبرتغال في ديسمبر/‏كانون الأول 2018 توقيع 17 اتفاقية تعاون ثنائية، وأوضحت البرتغال أن الزيارة حددت طرق التعاون الثنائي في نطاق المبادرة الصينية، وكشفت عن وجود خطط لدمج ميناء سينيس مع طرق الحرير الجديدة .
د - وفقاً للمصادر الصينية حققت جولة الرئيس الصيني 2019، نتائج ملموسة، فقد ساعدت في تعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتحفيز التبادلات الثقافية الدولية، والمساعدة في بناء توافق دولي حول حماية التعددية من أجل مستقبل أفضل وأوفر فرص للمشاركة.
ه - خلال زيارته لإيطاليا، وقع البلدان مذكرة تفاهم تهدف إلى التعزيز المشترك لبناء المبادرة، ويذكر أن تأييد روما، يجعلها أول عضو بمجموعة الدول السبع يقدم على هذه الخطوة، واتفقا على أنها تمتلك إمكانيات ضخمة في تشجيع الارتباط للبنية التحتية وأعربا عن استعدادهما لتعزيز المواءمة بين المبادرة وشبكات النقل الأوروبية، وتعميق التعاون في الموانئ واللوجستيات والنقل البحري ومجالات أخرى.
و - أتاحت زيارة الرئيس الصيني اللقاء مع القادة الأوروبيين لتبادل الآراء حول بناء مستقبل مشترك في عالم تتنامى فيه حالة عدم اليقين، وحضر مع نظيره الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس المفوضية الأوروبية، منتدى للحوكمة العالمية، وحذر خلاله من تصاعد التقلبات وعدم اليقين والحمائية التي تواجه الشعوب، وطرح أوجه العجز الأربعة في الشؤون الدولية، وتحديداً في الحوكمة والثقة والسلام والتنمية، ولمعالجتها اقترح نهجاً رباعي الأبعاد للإنصاف، والتشاور والتفاهم، والجهود المشتركة والمساعدة المتبادلة، والنتائج المربحة للجميع.
ز - أوضح الرئيس الفرنسي أن فرنسا والاتحاد الأوروبي مستعدان لزيادة تعزيز الثقة السياسية المتبادلة مع الصين، وأن يتحمل الطرفان سوياً المسؤولية التاريخية لتوطيد السلام والأمن والتنمية في العالم، وأشارت ميركل إلى أن ألمانيا تولي أهمية كبيرة لدور الصين في الشؤون الدولية، وتقدر دعمها لازدهار أوروبا.
ح - يرى المحللون الأوروبيون أن زيارة شي لفرنسا عززت التعاون بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي في معالجة التغير المناخي والحفاظ على التعددية وتعزيز دور الأمم المتحدة .

* أستاذ العلوم السياسية (جامعة حلوان)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"