أزمة الديون والصناديق السيادية

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق

ضمن صفقة إنقاذ بنك دكسيا، التي تولتها حكومات بلجيكا وفرنسا ولوكسمبورغ، قال وزير مالية لوكسمبورغ إن صندوق استثمار قطري سيشتري وحدة البنك في بلاده . وكانت الحكومات الثلاث تداعت لإنقاذ البنك في محاولة لطمأنة الأسواق بأن دول منطقة اليورو ستساعد البنوك المهددة بالانكشاف على أزمة الديون الحكومية في المنطقة .

ويعد بنك دكسيا نموذجاً، إذ إن لديه ديوناً حول العالم تصل إلى 700 مليار يورو، وهو رقم ضعف الناتج المحلي الإجمالي لليونان التي تقع في القلب من أزمة الديون الحكومية الأوروبية . وربما يكون ضمن صفقة الإنقاذ أيضاً بيع دكسيا أصوله الجيدة مثل دنيزبنك في تركيا، الذي ربما يغري أيضاً صندوق قطر السيادي أو صناديق أخرى من الخليج .

ولا يقتصر الأمر على بنك دكسيا الأوروبي، بل ان أكبر البنوك الأمريكية بنك اوف امريكا عندما أراد بيع جزء من نصيبه في بنك التعمير الصيني ليوفر 17 مليار دولار أجرى مفاوضات مع هيئة الاستثمار الكويتية والهيئة القطرية للاستثمار . وينظر الآن لصناديق الثروة السيادية على أنها السبيل المنقذ لأزمة مالية جديدة متوقعة في العالم سببها مشكلة الديون الحكومية في أوروبا وأمريكا . وإذا كانت الحكومات في الاقتصادات المتقدمة تمكنت من ضخ أموال دافعي الضرائب في القطاع المالي الخاص المتعثر إبان الأزمة المالية العالمية قبل ثلاث سنوات، فإنها الآن تبدو قادرة على تكرار ذلك . وما يزيد الأزمة تعقيداً أن أي أزمة مالية جديدة هي ناجمة عن زيادة الديون السيادية وعجز ميزانية الحكومات في الاقتصادات المتقدمة تحديداً، ما يعني أن تلك الحكومات غير قادرة على إنقاد نفسها ناهيك عن القطاع المالي الخاص .

وهنا يأتي الاهتمام الفائق بدور صناديق الثروة السيادية والسعي لدفعها لحرف التوجه الذي اتخذته منذ عام ،2008 بتقليل استثماراتها في السندات والأوراق المالية اثر أزمة الانكماش الائتماني .

والواقع أن كثيرًا من تلك الصناديق، خاصة من منطقة الخليج وآسيا، ضخت كثيراً من الأموال في القطاع المالي العالمي المتعثر إبان الأزمة السابقة . ويراهن البعض على نماذج نجاح مثل استثمار أبوظبي والهيئة القطرية في بنك باركليز البريطاني إبان الأزمة بنسب 15 في المئة و12 في المئة . وبعد ثمانية أشهر ومع تحسن وضع باركليز وارتفاع سعر أسهمه باعت هيئة أبوظبي نصيبها لتكسب ما يزيد على ملياري دولار في الصفقة، فيما باع القطريون أغلب نصيبهم العام الماضي بمكسب يزيد على مليار دولار . إلا أن تلك الحالة مع باركليز غير مضمونة التكرار، خاصة مع هشاشة وضع أسواق المال في العالم .

في فترة ازدهار الصناديق السيادية، التي تدير أموال حكومات ودول، خاصة السنوات الثلاث من 2006 إلى ،2008 كان نحو نصف استثماراتها في القطاع المالي خاصة الأسهم والسندات وصناديق التحوط مقابل نحو الربع فقط للاستثمار في القطاع الصناعي والخدمي والبقية للعقار وغيره . ومع تعاظم أزمة الانكماش الائتماني قلصت صناديق الثروة السيادية استثماراتها في القطاع المالي . مع ذلك كان الطلب على استثماراتها في المؤسسات المالية المتعثرة قويا . وبالفعل ضخت صناديق قطر والكويت وأبوظبي، مع صناديق سنغافورة وكوريا الجنوبية، عشرات المليارات من الدولارات في سيتي غروب ويو بي اس وميريل لينش وغيرها . لكن في الوقت نفسه، عززت تلك الصناديق استثماراتها في الداخل الوطني خاصة لتغطية برامج إنفاق عام موسعة للحفاظ على نشاط الاقتصاد في ظل الأزمة العالمية .

ومع بروز مؤشرات أزمة مالية جديدة نتيجة مشكلة الديون السيادية في أوروبا وأمريكا، وما يمكن ان تؤدي إليه من آثار كارثية على بنوك كبرى مكشوفة على مخاطر ضخمة بما لديها من ديون على الحكومات، يتجدد الطلب على استثمارات الصناديق السيادية خاصة مع حاجة كثير من البنوك لتعزيز رأسمالها لمواجهة تبعات ما لها من ديون حكومية أوروبية رديئة .

وبما انه لا يعرف إن كانت هناك بنوك في الدول صاحبة الصناديق السيادية، في آسيا والخليج، مكشوفة على ديون أوروبا الرديئة وحتى إن كانت فلن تكون تلك بقدر كبير فلن تكون الصناديق السيادية في موقف الاعتماد عليها لإنقاذ مصارفها الوطنية . فهل هي مستعدة إذاً لدعم البنوك الأوروبية والأمريكية والاستفادة من طرح أسهمها لإعادة الرسملة؟ الأغلب أن الصناديق السيادية لن تغير استراتيجيتها بالحد من الاستثمارات المالية، لكنها في الوقت ذاته تعمل ضمن النظام المالي القائم ووظيفتها هي تعظيم الأرباح على أصولها لمصلحة الدول والحكومات التي تملكها . ومن ثم لا ينتظر منها أن تترك فرصاً مثل شراء أصول (مالية أو غيرها) تهبط أسعارها مع تقدير ارتفاع قيمتها فيما بعد وتحقق ربحاً .

ربما يكون أفضل توجه للصناديق السيادية في الفترة المقبلة، خاصة فيما يتعلق باستثماراتها في القطاع المالي، أن تستفيد من احتمال تسييل الكثير من المؤسسات المالية الأوروبية والأمريكية لمراكزها الاستثمارية في آسيا . ولتدخل الصناديق السيادية لتعويض تلك المراكز، وهو توجه يتسق مع التركيز على الاستثمار في محيطها . فتقريباً ثلاثة أرباع صناديق الثروة السيادية، من حيث العدد والحجم، هي في آسيا والخليج . وسيكون الفارق هو التغيير في المستهدف الاستثماري مناطقياً بزيادة الاستثمار في آسيا بدلاً من أوروبا . فالتركيبة الحالية أن المنطقتين تتساويان تقريباً (بنحو 30 في المئة من استثمارات تلك الصناديق في كل منطقة منهما)، وربما أيضاً التقليل من الانكشاف على الولايات المتحدة، التي تحظى حالياً بنحو 20 في المئة من استثمارات صناديق الثروة السيادية .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"