أسعار السلع الغذائية ترتفع

02:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

من الممكن أن تتجدد اليوم الأزمة الزراعية التي ضربت العالم في فترة (2007 - 2008) والأسعار ترتفع لأسباب عدة، أهمها اثنان انخفاض العرض الغذائي نتيجة الطقس والمناخ وزيادة الطلب نتيجة النمو السكاني كما الاستعمال لحاجات أخرى، إضافة إلى تغير أسواق المستهلكين خاصة في الدول الناشئة وفي مقدمها شرق آسيا . يرتفع عدد سكان العالم من 7 مليارات إنسان إلى نحو 2 .8 مليار في سنة 2030 وإلى 3 .9 مليار في سنة 2050 . في العرض هنالك 3 مسببات متنقلة منها التغير المناخي العالمي وارتفاع الحرارة، ثم الجفاف القاتل الذي ضرب أفضل السهول الزراعية في غرب الولايات المتحدة وأخيراً الفيضانات التي تقضي على السلع الزراعية في مهدها . ضرب الجفاف هذا الصيف الولايات المتحدة مما جعل وزارة الزراعة تخفض توقعاتها لإنتاج الذرة لهذه السنة بنسبة 14% . تعد هذه السنة الأكثر جفافاً في الولايات المتحدة في التاريخ الحديث . فقط 24% من إنتاج الذرة يعتبر جيداً أو ممتازاً من قبل الجهاز الأمريكي المتخصص مقارنة ب62% السنة الماضية .

الأسواق الزراعية مختلفة عن غيرها إذ هنالك سلامة المواطن وصحته، من هنا تتدخل الدولة لمراقبة الجودة والأسعار . للسلع الزراعية تأثير كبير في صحة الأطفال وبالتالي منتجي المستقبل . انخفاض الفيتامينات في الغذاء يسبب ضعفاً في نمو الدماغ ومناعة الجسم في مقاومة الأمراض، كما يؤثر في سلامة النظر والسمع وغيرهما . فالغذاء هو أساس التنمية ويدخل في صلب السياسات العامة المحاربة للفقر . في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هنالك ما بين 40 إلى 60% من السكان يعيشون في الريف ويعملون في الزراعة . تحسن أوضاع المزارعين يؤدي الى ارتفاع الطلب على كل السلع والخدمات وبالتالي يتحقق النمو الاقتصادي، كما تتوسع التنمية العامة . .

ما هي العوامل التي تحرك أسعار السلع الزراعية وتقلباتها؟ كيف يمكن معالجتها على الصعيدين المحلي والدولي؟ ما هي العوامل الأكثر أهمية التي يمكن تطبيقها داخل الدول وفيما بينها؟ هل هنالك دور للمنظمات الدولية في حل مشكلة الغذاء توافراً وأسعاراً؟ كيف تغير الإنتاج الزراعي بين القرنين الماضي والحالي؟

أولاً: سوء المناخ: تتقدم العلوم بشكل كبير إذ هنالك أسباب يمكن تخفيفها . المناخ مرتبط بالتلوث وطرق الإنتاج وكيفية تعامل الإنسان مع البيئة والطبيعة بمختلف أشكالها . تبعاً للاتفاقيات الدولية بدءا من ريو في سنة ،1992 هنالك توصيات غير ملزمة لكن يجب تطبيقها لمصلحة الإنسان والسلامة العامة ومستقبل الأجيال .

ثانياً: أسعار النفط والطاقة التي تتقلب كثيراً، لكنها بدأت ترتفع مؤخراً لأسباب عائدة للعرض كما للطلب . في العرض، هنالك خوف من حدوث مشكلات أمنية وربما حرب في المنطقة يقفل خلالها مضيق هرمز ويصبح صعباً نقل النفط إلى الدول الغربية، كما إلى آسيا وخاصة الصين . أما العقوبات الموضوعة على إيران، فتؤثر ليس في العرض فقط وإنما تخلق جواً من الحذر والقلق في المنطقة ودولياً . في الطلب ليس هنالك الكثير الذي يمكن فعله على المدى القصير، إلا أن الاستفادة من بدائل للنفط تبقى ضرورية . للأسف الطاقات الأخرى ما زالت مكملة ولم تصبح بديلة لأسباب متعلقة بالتكلفة والتكنولوجيا وسهولة الاستعمال وغيرها . بقاء أسعار النفط مرتفعة يؤثر سلباً في تكلفة إنتاج السلع الزراعية وبالتالي في المستوى المعيشي للطبقات الوسطى وما دون .

ثالثاً: ارتفاع الطلب على السلع الزراعية ليس فقط للغذاء وإنما خاصة لإنتاج الطاقة البديلة كالايتانول .

رابعاً: تقلبات الأسعار كبيرة جداً بسبب القلق الاجتماعي المتزايد نتيجة الأزمة المالية العالمية بالإضافة إلى الخوف الأمني والسياسي والاجتماعي من حصول مشكلة في الدول المنتجة للنفط وفي مقدمها إيران وفنزويلا . لم يتطور التأمين في الأسواق الزراعية وبالتالي يبقى المنتج والتاجر، كما المستهلك عرضة لتقلبات الأسعار التي تخرج عن سيطرتهم ونفوذهم . هنالك تقدم في شراء بوليصات التأمين في هذه الأسواق المرتبطة بالطبيعة، أي تأمين كميات المحصول وأسعار السلع كما تكلفة الانتاج لكن أسعارها تبقى مرتفعة جداً . لتخفيف التقلبات لا بد من تحرير الأسعار أكثر عبر توسيع الأسواق التجارية الزراعية الدولية وزيادة المنافسة بين المزارعين، كما بين التجار والوسطاء . هنالك واقع احتكاري سيئ من ناحية العرض في العديد من الدول المنتجة أي وجود عدد قليل من المزارعين الكبار الذين يسيطرون على الأسواق ويحددون الأسعار . هنالك مشكلة أخرى ترفع من حدة التقلبات، وهي أن معظم الانتاج الزراعي يبقى داخل الدول ولا يصدر بالرغم من انخفاض تكلفة النقل مع الوقت . 20% من الانتاج العالمي للقمح فقط يتداول تجاريا مقارنة ب11% للذرة و7% للأرز .

في القرن الماضي، ارتفع الانتاج الزراعي والحيواني نتيجة زيادة المساحات القابلة للإنتاج . في بداية القرن الحالي، حصل العكس أي بقيت المساحات، كما هي أو تدنت بسبب التطور المدني، لكن قابلهما ارتفاع في انتاجية المزارع والأرض . لذا انتقلت الزراعة من قطاع مبني على كمية عوامل الانتاج المتوافرة للمزارع إلى آخر مرتكز على العلم المتطور دائماً . الطريقة الفضلى للسيطرة على العرض هي رفع الانتاجية الزراعية عبر الاستثمار في الري وتقديم الأدوية والأسمدة والمنشطات والبذور للمزارعين إضافة إلى الارشاد التقني غير المتوافر في معظم الدول النامية . لا يمكن بناء قطاع زراعي حيوي ومنتج وفاعل من دون تدخل القطاع العام بشكل أو آخر بسبب مخاطره الفريدة المرتبطة بالطقس والأرض والمناخ .

في سنة ،2010 كان الحد الأدنى للأجور في أمريكا 25 .7 دولار في الساعة مقابل 3 .4 دولار في اليوم في المكسيك . الحل السهل لتخفيض الأسعار هو فتح الحدود واستقدام المكسيكيين للعمل وبالتالي تنخفض أسعار السلع المنتجة . اختارت الولايات المتحدة الحل الأصعب، أي حافظت على سياسة الهجرة الضيقة واستثمرت في البحث والتطوير لرفع انتاجية الزراعة ونجحت . أخيراً هنالك دور كبير للمنظمات الدولية في تقديم النصائح كمنظمة التغذية والزراعةFAO ، كما البنك الدولي إرشاداً وتمويلاً وصندوق التنمية التابع للأمم المتحدة UNDP وغيرها . لا بد من تعاون دولي من ناحية العرض إذ تبقى المشكلات نفسها والحكومات عموماً مقصرة أو عاجزة .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"