التحديات الاقتصادية للاشتراكيين الإسبان ... د . أيمن علي

00:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

حصل خوسيه لويس ثاباتيرو على أغلبية بسيطة في مجلس النواب الاسباني كرئيس للوزراء لولاية ثانية بعد شهر من الانتخابات التي فاز فيها حزبه . واعيد انتخاب الزعيم الاشتراكي بدعم نواب الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني فقط الذي فاز في الانتخابات التشريعية في التاسع من مارس/ آذار، وانما بغالبية نسبية . اما محافظو الحزب الشعبي المعارض فصوتوا ضده، وامتنعت غالبية الاحزاب القومية، خاصة الباسكية والكاتالونية، عن التصويت . كانت الحكومة الاشتراكية الاسبانية بفترة تشريعية ثانية في الانتخابات العامة التي جرت في اسبانيا مطلع الشهر الماضي (9 مارس/ آذار) على خلفية استمرار سياساتها الاقتصادية والتوافقية على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي .

ولا شك في أن امتناع النواب الممثلين لقوميتي الباسك وكاتالونيا عن التصويت افاد ثاباتيرو الى حد ما، وان كانت اهدافهم لا علاقة لها بخطط الحكومة الاقتصادية بقدر ما تتعلق بالحفاظ على مشكلة القوميتين حية والضغط على الاشتراكيين بشأن العلاقة بين مدريد والاقليمين . مع ذلك فمن شأن أي مشاكل اقتصادية ان تزيد الضغوط على الحكومة بشأن مشاكل الاقليمين وغيرها من القضايا السياسية الملحة الاخرى .

وتواجه الحكومة الاسبانية بالفعل تباطؤا اقتصاديا بعد فترة نمو مضطرد لعقد من الزمان، وان كان بعض اسباب ذلك يعود الى التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن شبح الركود في الاقتصاد الامريكي . وشهد القطاع العقاري الاسباني فورة منذ ما قبل تولي الاشتراكيين في فترة حكم اثنار ادت الى فقاعة تشبه الى حد كبير فقاعة القطاع العقاري الامريكي التي انتهت بانهيار القطاع بدءا من الصيف الماضي . ويعد القطاع العقاري الاسباني الاكثر تتبعا لخطوات نظيره الامريكي من قطاعات عقارية اوروبية اخرى مثل بريطانيا وغيرها، والتي بدأت جميعها بما فيها القطاع العقاري الاسباني تشعر بموجات الازمة القادمة عبر الاطلسي .

وبدأت شركات البناء مع مطلع العام تسرح كثيرا من العاملين فيها نتيجة تراجع حجم الاعمال في القطاع . وكان قطاع البناء والانشاءات احد العوامل الرئيسية التي تغذي النمو الجيد في الاقتصاد الاسباني في السنوات العشر الماضية او يزيد . ووصل نصيب القطاع من نمو الاقتصاد نحو 4 في المائة في السنوات، ووصل حجم قطاع بناء البيوت وحده 9 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة مع متوسط اوروبي لا يتجاوز 5 في المائة . ولان قدرا معقولا من اعمال البناء، خاصة السكنية، في السنوات الاخيرة كان موجها لطلب اجنبي أما بيوت للسائحين أو لراغبي التقاعد قرب المتوسط من سكان دول الشمال فقد تآكل ذلك الطلب مؤخرا . واصبح هناك معروض سكني يفوق الطلب في انحاء مختلفة من اسبانيا . ووصلت نسبة التراجع في الشراء في الشهور الاخيرة الى نحو 30 في المائة .

مما يضاعف من مشكلة البطالة الناجمة عن تراجع نشاط التشييد والبناء ان نسبة كبيرة من تلك العمالة هي من المهاجرين الذين يمكن ان تقود البطالة في صفوفهم الى توترات اجتماعية/ أمنية . خاصة وان اعدادا كبيرة من هؤلاء المهاجرين وفدوا على اسبانيا في السنوات الاخيرة فحسب، وتحديدا للعمل في قطاع التشييد والبناء الذي ظل يشهد نموا صاروخيا لفترة . بالطبع ستلجأ الحكومة في فترة توليها الثانية الى محاولة تعويض تلك الوظائف التي فقدت عبر التوسع في البناء الحكومي ومشروعات البنية الاساسية . الا ان ذلك قد لا يكون كافيا لامتصاص كل العاملين الذين يفقدون وظائفهم الآن .

كما يواجه الاقتصاد الاسباني كذلك احتمال تراجع اسعار البيوت بسرعة بعد سنوات من الارتفاع الشديد، ما يعني الضغط على المستهلكين وضعف ثقة في الاقتصاد . وكان مستوى الديون للمقترضين الاسبان وصل بمنتصف العام الماضي الى نسبة 125 في المائة من الدخل السنوي . ومع ارتفاع اسعار الفائدة في منطقة اليورو من 2 في المائة الى 4 في المائة في عام ونصف العام مؤخرا، اصبحت خدمة الديون الشخصية فوق طاقة الكثير من الاسر الاسبانية . اضف الى ذلك ارتفاع معدل التضخم باكبر بكثير من متوسط معدلاته في دول اليورو ليصل الى 4 في المائة .

ولاستعادة الثقة في الاقتصاد الاسباني بدأت الحكومة بالفعل باتخاذ خطوات لزيادة الميزات التنافسية برفع معدل انفاقها على البحوث والتطوير ورفع مستوى التعليم في كافة مراحله . الا ان تلك خطوات بحاجة الى وقت لتظهر اي تاثيرات ايجابية لها في التنافسية الاقتصادية للبلاد .

وان كانت هناك مؤشرات تجعل الحكومة تقف على ارضية اقتصادية جيدة، اذ ان الاشتراكيين عبر وزير المالية بيدرو سولبس تمكنوا من تحقيق فائض مالي العام الماضي بنسبة 2 .2 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي . الا ان انخفاض عائدات الضرائب وحاجة الحكومة الى زيادة الانفاق ربما يأكلان من ذلك الفائض وقد يحولانه الى عجز في الميزانية اذا لم تتمكن من الحد من التباطؤ الاقتصادي .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"