الدعم المصري

01:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
لم يكد المصريون يستوعبون الزيادة الكبيرة في أسعار المازوت بنسبة 100 في المائة في مطلع العام الجاري، حتى بدأ الحديث عن رفع اسعار بقية مشتقات البترول بما فيها البنزين والديزل في وقت قريب. ولا يكاد يكون هناك حديث لملايين المصريين الان سوى الدعم، وما سيحدث له وتاثير ذلك في حياة نحو ثلاثين مليونا من الفقراء في مصر. وبدأت العاصمة القاهرة وغيرها من المدن الرئيسية تشهد ازمة خبز وانتشار الطوابير امام مخابز الرغيف المدعوم حتى على الرغم من ان دعم الرغيف لم يتغير وضعه حتى الآن.ومع ان قصة الدعم الحكومي للطاقة والمواد الغذائية الاساسية في مصر قديمة قدم محاولات التحول الاقتصادي والاصلاح الهيكلي منذ نحو ثلاثة عقود، الا ان الحكومة المصرية الحالية قطعت اشواطا طويلة في اعادة الهيكلة الاقتصادية جعلت منها قضية ساخنة. تزامن ذلك مع التذكير بمظاهرات الخبز، التي تحولت الى اضطرابات واعمال شغب في القاهرة، في يناير/ كانون الثاني في العام 1977 نتيجة ارتفاع الاسعار بعد خفض الدعم جزئيا عن بعض السلع.يكلف الدعم المصري الميزانية نحو 65 مليار جنيه مصري سنويا (اي نحو 4ر11 مليار دولار) يذهب ما يقارب 90 في المائة منها لدعم الطاقة، من مشتقات بترولية وغاز وكهرباء، والبقية (نحو ملياري دولار أمريكي) لدعم الخبز وعدد من السلع الغذائية الاساسية. ويشكل ذلك أكثر من 8 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لمصر، أي اكثر من نسبة العجز المالي في الميزانية من الناتج المحلي الاجمالي.ولن تكتمل الخطط الاصلاحية للحكومة الحالية الا بالتخلص من عبء الدعم، او القدر الاكبر منه، عن كاهل الميزانية وبدأت بالفعل بالمازوت وتخطط الان لرفع تدريجي عن البنزين والسولار، الى جانب خطه لخفض الدعم على الغاز والكهرباء للمشروعات الصناعية على مدى ثلاث سنوات. كما تدرس تحويل الدعم العيني على الخبز الى دعم نقدي وتبدأ بتجربة ذلك في ثلاث محافظات خلال شهرين.وتتعرض سياسة الدعم المصري للطاقة والسلع الاساسية الى انتقادات دائمة، تصاعدت في العامين الاخيرين، من المؤسسات الدولية خصوصا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فصندوق النقد الدولي يرى الدعم بصيغته الحالية غير فعال، ويخلص في احدى توصياته الى انه يمكن تحقيق المردود الاجتماعي المستهدف بمخصصات لا تزيد على 10 في المائة من الانفاق الحالي على الدعم. اما البنك الدولي فخلص في العام 2005 الى ان طريقة الدعم الحالية لا تضمن وصوله الى مستحقيه. وحسب ارقام البنك الدولي فان نسبة 20 في المائة من المصريين، وهم الاشد فقرا، لا يحصلون الا على نحو 16 في المائة من الموارد المخصصة لشبكة الضمان الاجتماعي، بينما يحصل 20 في المائة، الاكثر ثراء، على 28 في المائة من تلك الموارد.وتقر الحكومة المصرية، ويدرك عامة المصريين، ان هناك عدم عدالة في توزيع الدعم. وهناك اعتراف بان تلك المليارات سنويا تشهد عمليات فساد كبيرة تحرم الملايين مما يخصهم، كما ان هناك قدراً كبيراً خاصة من أموال دعم الطاقة يذهب للمستثمرين الذين يحققون أرباحا هائلة من قلة تكلفة اعمالهم بسبب الطاقة الرخيصة المدعومة التي تتوفر لمشروعاتهم.إلا ان قضية الدعم، خاصة لرغيف الخبز، تثير مخاوف من قلاقل اجتماعية واضطرابات سياسية قد تكون لها تبعات كارثية. ويزيد من الخطر عدم الثقة الشديد بين الشعب والحكومة في مصر، خاصة وأن الحكومة لم تبذل اي جهد لتغيير صورتها لدى ملايين المصريين من انها حكومة رجال أعمال لا يفكرون الا في مصالحهم وحكومة خواجات لا يعرفون شيئا عما تعانيه اغلبية المصريين العاديين.من هنا، لا تستطيع الحكومة تسويق تصورها عن ترشيد الدعم، الذي يفهمه الناس، المتشككون في الحكومة اصلاً، على انه تخلي الدولة عن التزاماتها تجاههم. كما ان هناك انتخابات محلية مقبلة في ابريل/ نيسان قد لا تستطيع الحكومة تجاهل تأثير سياساتها على فرص حزبها الحاكم، الحزب الوطني، فيها. أضف الى ذلك ان هناك جناحاً في الحكم في مصر لا يريد ان يربط نفسه بتلك السياسات الاقتصادية غير الشعبية في الوقت الراهن.وتبدو الحكومة المصرية في موقف لا تحسد عليه، فهي مضطرة اذا كان لها ان تواصل برنامجها للاصلاح الاقتصادي لاتخاذ قرارات مثيرة للغضب الشعبي، وعليها الاستجابة لتوصيات دولية اذا كان لها ان تحافظ على صورتها لدى العالم ومؤسساته المالية، وفي الوقت نفسه لا تلقى تأييداً من شعبها، ولا حتى من بعض أركان الدولة. محلل اقتصادي
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"