السيولة والتضخم والسياسة النقدية الخليجية ... د . أيمن علي

01:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم يكن متوقعا من اجتماع محافظي البنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي الست في الدوحة في 6 ابريل/نيسان الماضي ان يسفر عن قرارات درامية . وربما كان اهم ما اعلن هو الالتزام بموعد العملة الخليجية الموحدة العام بعد القادم (2010) كما هو مقرر من قبل، ما يعني ضمنا استمرار ارتباط عملات دول المجلس، ما عدا الكويت، بالدولار الامريكي . وهكذا اخذ مسؤولو السياسة النقدية الخليجية بتوصيات مؤسسات دولية عدة خلصت الى ان فك الارتباط بالدولار ليس الحل لمشكلة التضخم في دول الخليج .

كانت تلك المؤسسات، ومنها ستاندرد اند بورز ومورغان ستانلي، أصدرت تقارير وتحليلات مؤخرا مفادها ان فك الارتباط بالدولار لا يكفي وحده لمواجهة التضخم، وانه وان كان من العوامل المسببة له إلا ان الاسباب الاساسية للظاهرة هي في هيكلية الاقتصادات الخليجية . وعلى الرغم من صحة التحليل الى حد ما، الا ان التقليل من اهمية فك الارتباط بالدولار في مواجهة مشكلة التضخم على المدى القصير والمتوسط ليس له ما يبرره .

فالعامل الرئيسي في زيادة معدلات التضخم في دول الخليج، والذي تضاعف نحو ثماني مرات من العام 2003 حتى الآن، هو زيادة المعروض النقدي الذي وصلت نسبة الزيادة فيه العام الماضي الى نحو 30 في المائة مقارنة بنسبة زيادة اقل من 10 في المائة في 2003 . واذا كانت زيادة المعروض النقدي دلالة على اتساع النشاط الاقتصادي وتوقعات النمو العالية في الناتج المحلي الاجمالي، إلا أنها تحمل في طياتها ضغوطا تضخمية كبيرة . ورغم الاجراءات الآنية التي تتخذها السلطات النقدية في الدول الخليجية للحد من تلك الضغوط، من قبيل وضع سقف لارتفاع الايجارات واسعار الغذاء او ضبط السيولة لدى المصارف، فإن التضخم في ارتفاع ومرشح للارتفاع أكثر .

ذلك ان الامر في ارتباط العملات الخليجية بالدولار لا يقتصر على فقدان تلك العملات قدرا من قيمتها باستمرار مع تواصل هبوط العملة الامريكية امام العملات الاخرى، وانما يسهم كذلك في زيادة المعروض النقدي لمواجهة ما يسمى التجارة في العملة اي لجوء المستثمرين المضاربين لاقتراض عملات الفائدة عليها منخفضة لشراء سندات دين بعملات العائد عليها مرتفع وذلك احد وجوه دعم العملة الامريكية عبر ارتباط العملات الخليجية بها . كما ان الارتباط يحد من قدرة سلطات النقد والبنوك المركزية على اعتماد سياسات مستقلة عن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الامريكي، ومن ثم تضطر لخفض الفائدة في الوقت الذي تملي المعايير الاقتصادية السليمة عليها رفعها للحد من التضخم . وادى ذلك الى تراجع الادخار وزيادة الاقتراض المحلي بشكل كبير . ووصلت نسبة الزيادة في الائتمان المحلي العام الماضي الى نحو 24 في المائة مقابل اقل من 15 في المائة خلال العام ،2003 وهي اعلى نسبة نمو في عشرات السنين . ويزيد ذلك من وفرة المعروض النقدي وكذلك زيادة الاسعار مع توفر سيولة هائلة ومنتجات محدودة .

ومما يحافظ على سلامة الاقتصادات الخليجية على الرغم من معدلات التضخم العالية والسياسات النقدية المتساهلة هو الانفاق الحكومي الهائل على المشروعات الكبيرة، ما يبقي على النشاط الاقتصادي جيدا ويسهم بالقدر الاكبر في النمو الاقتصادي . الا ان ذلك التوجه غير امن على المدى الطويل، اذا افترضنا انه يمكن صيانته على المدى المتوسط، ومن ثم يتطلب الامر سياسات اكثر جرأة واوسع نطاقا للحد من تفاقم اي اختلالات هيكلية في المستقبل .

من الأمثلة التي تسوقها تقارير المؤسسات الدولية لتعضيد وجهة النظر بأن فك الارتباط بالدولار لا يمكنه ان يحد من التضخم مثال الكويت التي فكت ارتباط الدينار بالدولار جزئيا ومع ذلك لم يتوقف ارتفاع الاسعار (وان كان معدل التضخم في الكويت يظل اقل من معظم بقية دول مجلس التعاون الخليجي) . وهذا صحيح الى حد ما، ففك الارتباط لا يجدي وحده ما لم يقترن بسياسات نقدية واقتصادية اوسع نطاقا واكثر جرأة، ليس فقط للحد من المعروض النقدي والتشجيع على الادخار مقابل الحد من الاقتراض الاستهلاكي وانما لتشجيع القطاع الخاص ايضا على الاستثمار وزياده نصيبه من الانفاق الاستثماري الذي تقوم به الحكومات الآن .

حتى الآن لا يبدو ان هناك توجها في هذا الاطار في معظم دول الخليج، وباستثناء التوازن الحميد في استغلال الفوائض النقدية من ارتفاع اسعار النفط لا تملك السلطات النقدية خيارات كثيرة في ظل ارتباط العملات الخليجية بالدولار والتبعية الكاملة للسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي . الا انه من المهم التحسب للأسوأ بالنسبة للاقتصاد الامريكي، والذي يمكن ان تكون تبعاته على الاقتصادات الخليجية اخطر مما هي على الاقتصاد الامريكي .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"