العقار والاقتصاد البريطاني ... د . أيمن علي

02:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

يؤكد قرار بنك انجلترا (المركزي البريطاني) ضخ 100 مليار دولار في سوق الائتمان، بعد ايام من قرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي ضخ 200 مليار في سوق الائتمان ما أعلن من قبل عن اتفاق بين البنوك المركزية الرئيسية للدول الصناعية المتقدمة من أجل التدخل للحد من آثار أزمة الانكماش الائتماني العالمي على اقتصاداتها . وكانت تلك الأزمة بدأت الصيف الماضي مع انهيار سوق العقار الأمريكي وانكشاف البنوك الكبرى على مخاطر القروض العقارية الرديئة بمئات المليارات من الدولارات .

وكان بنك انجلترا حاول من قبل التقليل من اهمية ما نشر حول اتفاق بالتدخل بين تلك البنوك المركزية، وذلك تحسبا للتبعات الاخلاقية لاستخدام أموال دافعي الضرائب في انقاذ بنوك غامرت باستثماراتها وخسرت . والآن تدخل البنك باستبدال سندات دين حكومية، تدعمها الخزانة، بأوراق دين عالية المخاطر لدى القطاع المصرفي في مقدمها ضمانات القروض العقارية . ولا يتوقع كثير من المحللين ان تؤدي الخطوة الى حل مشكلة الانكماش الائتماني، لكنها قد تخفف من اضراره على الاقتصاد بقدر ما اذا تشجعت البنوك وعادت للاقراض فيما بينها .

ويبدو ان بنك انجلترا اخذ في الآونة الاخيرة في الاهتمام بمشكلة النمو الاقتصادي ووضع الاقتصاد البريطاني بشكل عام، بدلا من التركيز على هدفه الاساسي وهو الحفاظ على معدلات التضخم في اطار المستهدف القومي عن نسبة 2 في المائة . وذلك الهدف هو الذي ساد تحركات البنك منذ منحه الاستقلال عن الحكومة قبل نحو عقد من الزمان . ولا يزال معدل التضخم في بريطانيا اعلى من المستهدف ويدور عند 5 .2 في المائة منذ نحو ستة شهور متتالية . وسواء كان ذلك التحول بتأثير من الحكومة، او لضرورات يراها البنك بشكل مستقل، فإن نتائجه لا تبدو مضمونة .

منذ ديسمبر/كانون الاول الماضي خفض بنك انجلترا نسبة الفائدة الاساسية ثلاث مرات، بثلاثة ارباع النقطة المئوية لتصل الى 5 في المائة، والدافع الاساسي لذلك هو التراجع في القطاع العقاري البريطاني . ومع ارقام شهر مارس/آذار التي ظهرت أخيراً بدا ان اسعار العقارات البريطانية آخذة في الهبوط بشكل تصحيحي . وزاد من مخاوف احتمال الانهيار اي انخفاض الاسعار بسرعة وبمعدلات عالية ما ذكره صندوق النقد الدولي في تقريره نصف السنوي عن الاقتصاد العالمي والصادر في 9 ابريل/نيسان من ان القطاع العقاري البريطاني مغال في اسعاره بنسبة 30% . وبما ان انفاق المستهلكين يشكل اكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد البريطاني، يخشى المحللون والاقتصاديون من ان انهيار القطاع العقاري قد يعزز الركود المحتمل في بلد يملك نحو 80 في المائة من سكانه منازلهم .

وما يحرك الانفاق الاستهلاكي، هو شعور ملاك البيوت بأن لديهم فائض قيمة نتيجة الزيادة التي طرأت على اسعار عقاراتهم، ومن شأن تبخر تلك الزيادة ان يحد من إنفاقهم في دورة جهنمية تعمق الركود وتطيل أمده . لكن تلك ليست مهمة البنك المركزي، وربما لا يؤدي تدخله الى الكثير في اطار تفادي أزمة محتملة . فحتى تخفيض سعر الفائدة الاساسية لم يشعر به كثير من اصحاب العقار الذي يدفعون اقساط قروض عقارية، ولا يتوقع ان يؤدي تخفيض الفائدة اكثر الى تحسين اوضاع سوق العقار . وبدأت حركة تصحيح طبيعية، وليس هناك حتى الآن ما يشير الى احتمالات الانهيار اكثر من احتمال التصحيح التدريجي . فالأسس الاقتصادية في بريطانيا لا تزال جيدة، على عكس الاقتصاد الأمريكي وما يعانيه من اختلالات هائلة، ومعدلات النمو وان تباطأت لا تزال بعيدة عن الركود، كما ان معدلات البطالة لا تزال منخفضة .

اما على صعيد النطاق الاوسع، اي أزمة القطاع المصرفي عموما، فإن تخفيضات الفائدة الاساسية لم تنعكس على معدلات ليبرو (معدل لندن للفائدة على الاقراض بين البنوك) والذي لا يزال عند 6 في المائة . كما ان تجارب الحقن النقدي لم تؤد الى الكثير في احوال سابقة، وهناك قيود في النهاية على ما يمكن ان يقوم به بنك انجلترا في هذا السياق . وربما يكون من الافضل لبنك انجلترا العودة للتركيز على مستهدفه الاساسي، وترك مشاكل الاقتصاد الاخرى للحكومة ووزارة المالية والخزانة . ويجب ألا يؤدي الخوف من انتقال عدوى انهيار القطاع العقاري وازمات الاقتصاد الأمريكي عبر الاطلسي الى تدخلات قد تعوق عوامل السوق التقليدية فتؤخر التصحيح بما يعقد المشكلة اكثر ويجعل انفجارها اكثر ضررا .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"