العملات الخليجية والحيرة أمام الدولار

01:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

إن من يتابع تصريحات وزراء المال والاقتصاد ومحافظي المصارف المركزية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تطالعنا بها الصحافة من حين لآخر بالتزامن مع احتدام الجدل حول جدوى استمرار ارتباط العملات الخليجية، فيما عدا الدينار الكويتي، بالدولار الامريكي في ظل انهيار العملة الامريكية، لا بد ان تتملكه الحيرة من اضطراب وعدم تناسق هذه التصريحات .

حتى ان هذا التضارب في التصريحات بدأ ينسحب على الوزراء انفسهم الذين يقولون الشيء ونقيضه في الوقت نفسه مع اختلاف بسيط في الفارق الزمني بين التصريحين . إذ فحين يثير احد التصريحين الانطباع بوجود توجه لإعادة النظر في الارتباط بالدولار، فإن التصريح التالي لا يترك مجالا للتأويل في شأن استمرار عملية الربط بالدولار، حتى اصبح موضوع ارتباط العملات الخليجية بالدولار الامريكي، مادة دسمة لتأويلات وتكهنات الصحافة والمحللين الاقتصاديين والماليين والمشتغلين في الحقل الاقتصادي العالمي .

فمن القائل إن دول مجلس التعاون مقدمة لا محالة على إعادة النظر في سعر الصرف الثابت الذي يربط عملاتها بالدولار الأمريكي، بما يشمل ذلك فك الارتباط كلياً بالعملة الامريكية، ومن القائل ان التفكير يتجه لتقليص حصة العلاقة بين هذه العملات والعملة الامريكية بتوزيع سعر صرف الربط على أكثر من عملة عالمية بينها الدولار .

كما هو معلوم، فإن مثل هذه التكهنات تغذي الشائعات التي يطلقها المضاربون في اسواق القطاع الاجنبي عن عمد للاستفادة من فروقات السوق الصاعد (BULL MARKET) والسوق المتراجع (PIG MARKET)، ما يؤدي الى تعريض العملة محل المضاربة الى التقلبات السعرية غير المستقرة، وهو ما ليس في مصلحة الاقتصاد على صعيديه الكلي والجزئي . ولذلك لا بد من الشفافية والوضوح في هذا المجال من جانب السلطات النقدية الخليجية .

فهناك ظرف غير طبيعي يتعرض له الدولار الامريكي، وهو ليس طارئاً كما تشير الى ذلك الوقائع، وكما تعكسها تقارير وتصريحات بعض مراكز الأبحاث والاكاديميات والاقتصاديين والامريكيين، وانما هو حالة اختلال هيكلي في الاقتصاد الامريكي سوف تحتاج لبعض الوقت بضع سنوات كما تقدر ذلك بعض الأوساط الأمريكية لاصلاح اعطالها .

ورأينا كيف ارتفعت اسعار عملات دول التعاون في المعاملات الآجلة تحت تأثير رهانات المستثمرين والمضاربين على أن ضعف الدولار والمخاوف من دخول الاقتصاد الامريكي في حالة ركود ستدفع دول التعاون الى تغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار، فذهبت توقعات هؤلاء الى أن الدرهم الاماراتي والريال القطري سيرتفعان بنسبة 3،3% و4،7% على التوالي خلال هذا العام واستقرار سعر صرف الريال السعودي في التعاملات الفورية عند أعلى مستويات في ثلاثة اشهر وهو 3،63 ريال للدولار .

وهذه هي النتيجة على أية حال . تقول الاقتصادية في دويتشة بنك مارولين جرادي إن انخفاض الدولار بدرجة اكبر من شأنه زيادة الضغوط التضخمية في دول مجلس التعاون والقاء الضوء على عدم ملاءمة السياسة النقدية التي تقودها الولايات المتحدة . حيث وصل التضخم في دول التعاون الى مستويات غير مسبوقة منذ 27 عاماً، إذ بلغ 7% في السعودية و3،74% في قطر .

هذه التطورات التي رفعت من سقف الاجتهادات بأن تعمد دول التعاون الى اضفاء الطابع الرسمي على هذا الارتفاع لأسعار صرف عملاتها مع الدولار تصحيحاً للمعادلة السعرية التي تؤكد أن العملات الخليجية مقومة بأقل من قيمتها بما يتراوح بين 20 30% لاحتواء التضخم الجارف، هي التي دفعت أوساط القطاع المالي للاعتقاد بأن دول التعاون التي تسعى للحصول على تمويل هذا العام قد تحجم عن الاقتراض بالدولار الأمريكي لتجنب تكاليف الاقتراض الاضافية في حال رفعت حكوماتها قيمة عملاتها .

ومع ذلك، وعلى الرغم من تزايد الضغوط التضخمية التي اضطرت على سبيل المثال قطر للتدخل وفرض ضوابط على اسعار العقار، وعلى الرغم من توصيات عديد من الخبراء ومؤسسات المال الدولية مثل الن جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ومجموعة ميريل لينتش المالية، إلا أن الوضع لازال على ما هو عليه، ولازال نزف التضخم يفعل فعله في الاقتصادات الخليجية . حتى خيار رفع قيمة العملات مقابل الدولار، اذا لم يكن بالإمكان فك الارتباط به، لازال قيد التداول الاعلامي وحسب .

باحث وكاتب اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"