لا لوم على "أوبك" هذه المرة ... د . أيمن علي

02:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

للمرة الأولى يجتمع وزراء الطاقة من الدول الصناعية الكبرى من دون أن يطالبوا منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بزيادة الانتاج لوقف ارتفاع الاسعار . والتقى وزراء الطاقة من دول مجموعة الثماني الكبرى أمريكا وروسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا واليابان وكندا ومعهم ضيوف ثلاثة هم الصين والهند وكوريا الجنوبية في مدينة امورو اليابانية بعد نهاية الاسبوع الاول من يونيو/حزيران لبحث مشكلة سوق الطاقة العالمي ووضع توصيات لقمة الثماني الشهر المقبل . وبما أن المجتمعين يستهلكون تقريبا ثلثي الطاقة في العالم، كانت مشكلتهم ارتفاع الأسعار .

وجاء اجتماع اليابان بعد يوم واحد من ارتفاع اسعار النفط في نهاية تعاملات الأسبوع الأول من يونيو/حزيران بمقدار 10 دولارات للبرميل في يوم واحد للمرة الأولى في تاريخها . واقتربت الاسعار من حاجز 140 دولارا لبرميل الخام الامريكي الخفيف في اسبوع ارتفعت فيه بنسبة 9 في المائة، مكررة نمطا سبق في شهر مايو/أيار الماضي، إذ ارتفعت بالنسبة ذاتها في الاسبوع الاول منه الى نحو 125 دولارا للبرميل .

صحيح ان وزراء طاقة الدول الصناعية اعدوا لاجتماعهم من قبل، لكن مسألة الاسعار فرضت نفسها عليهم . ومع أن وزير الطاقة الاسترالي تبرع من سيدني بدعوتهم للضغط على أوبك لزيادة الانتاج وان يظهروا لها العين الحمرا الا ان احدا لم يهتم بما قال . فالوزراء يدركون كما كانوا دوما وان تصرفوا من قبل بطريقة تضليل الرأي العام لالقاء تبعات تضرر جماهيرهم على غيرهم ان أوبك والمنتجين من خارجها ليس بيدهم ما يفعلونه لوقف ارتفاع الاسعار .

فالسوق متخم بالنفط الخام وبما يكفي الطلب ويزيد ربما بمقدار مليون برميل يوميا تقريبا . كذلك يدرك سياسيو الدول الصناعية الكبرى ان سبب ارتفاع الاسعار هو المضاربات من قبل صناديق الاستثمار التي تحولت عن الاسواق المالية المضطربة وتسعى للتحوط من استمرار انهيار قيمة العملة الامريكية، الدولار .

كما أن وكالة الطاقة الدولية، التي تعمل لصالح دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ال،27 خفضت توقعاتها للطلب على النفط العام الماضي والجاري والمقبل . وحسب آخر تقرير شهري للوكالة صدر في منتصف مايو/أيار الماضي قدرت ان الطلب العالمي على النفط وصل الى 8 .85 مليون برميل يوميا، فيما وصل الانتاج العالمي الى 8 .86 مليون برميل يوميا، تنتج دول أوبك منها 9 .31 مليون برميل يوميا .

وأحسنت أوبك فعلاً بردها على لسان مسؤوليها بانها لا ترى ضرورة لعقد اجتماع عاجل لبحث حصص الانتاج في ضوء ارتفاع الاسعار قبل اجتماعها الدوري في بداية سبتمبر/أيلول المقبل . فلا يوجد نقص في العرض واساسيات السوق لا علاقة لها بارتفاع الاسعار . كما ان الاقتصاد العالمي، على ما يبدو، قادر حتى الآن على استيعاب الزيادة في اسعار الطاقة . بل انه في ضوء احتمال رفع البنك المركزي الاوروبي لسعر الفائدة في دول اليورو لكبح التضخم، وابقاء بنك انجلترا (المركزي البريطاني) على سعر الفائدة كما هو عند خمسة في المائة لفترة، سيتعرض الدولار لضغوط اكبر ليفقد المزيد من قيمته وبالتالي تشهد اسواق السلع كالنفط والذهب مضاربات اكبر من صناديق الاستثمار .

وفي تقرير اخير له توقع بنك مورغان ستانلي الاستثماري ان يصل سعر النفط الى 150 دولارا للبرميل الشهر المقبل في الولايات المتحدة الامريكية، وقبل شهر توقع بنك غولدمان ساكس الاستثماري ان تصل الاسعار الى 200 دولار للبرميل في غضون عامين . وتأخذ تلك التوقعات في الاعتبار معدل التباطؤ الحالي في الاقتصاد العالمي وتاثيره على الطلب، لكن الاهم انها تفترض قدرة الاقتصاد العالمي على تحمل تلك الزيادات في الاسعار .

المجتمعون في اليابان حاولوا طرح استراتيجيات لايجاد بدائل للاعتماد المتزايد على النفط من دون ان يقدموا حلولا ذات جدوى لكن الاهم في رأيي هو الجدل بين مستهلكي الطاقة حول دعم اسعارها للمستهلكين المحليين في الدول المختلفة . ففي ظل مظاهرات واحتجاجات السائقين والمزارعين والصيادين في اوروبا وامريكا الشمالية على ارتفاع اسعار المشتقات، حاول السياسيون من تلك الدول الضغط على دول كالهند والصين وغيرها لتحرير اسعار الطاقة اكثر في بلدانها .

والحقيقة ان تلك الدول، وان بدأت بعضها في رفع الدعم جزئيا عن مشتقات البترول، الا انها لا يمكن ان تذهب الى المدى الذي وصلت اليه دول اوروبا وامريكا الشمالية في ظل هشاشة اقتصاداتها والتبعات الاجتماعية والسياسية لتلك الاجراءات الاقتصادية . فالمعروف ان اكثر من نصف اسعار المشتقات للمستهلكين في الدول الصناعية الغنية هي رسوم وضرائب تحصلها حكوماتها، وهي لا تريد لمواطنيها ان يقارنوا مع دول كالصين والخليج لا تحصل حكوماتها كل هذه الضرائب على اسعار المشتقات . لكن ذلك الجدل ايضا لم يصل الى نتيجة بسبب تمسك الصين والهند بموقفها ومعهما روسيا .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"