لا نزال في انتظارالأسوأ

05:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

من حق الصين، التي تملك نحو تريليون وربع التريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية، وغيرها أن تقلق من مشكلات المديونية السيادية الأمريكية .

ومع أن مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز اختارت الساعات الأخيرة من أسبوع العمل الأول في أغسطس/ آب لتعلن قرارها غير المسبوق بخفض التصنيف الائتماني للدين السيادي الأمريكي كي تعطي الأسواق فرصة يومين عطلة لهضمه، إلا أن ذلك يضيف حتماً للتوتر الذي يسود الأسواق العالمية بالفعل . فقد تضافرت أزمة الدين السيادي الأمريكي، التي تفجرت لأسباب سياسية بالأساس، مع أزمة الديون السيادية الأوروبية واحتمالات انكشاف اقتصادات كبرى عليها مثل إيطاليا وإسبانيا .

ومما يزيد من تعقيد أوضاع النظام المالي العالمي أن البنوك، والمؤسسات المالية عموماً، لم تحقق في العام الأخير (نصف العام الماضي الأخير والنصف الأول من هذا العام) من عائدات الأعمال ما يمكنها من تجاوز أزمة 2008 .

فالتعافي من الركود الاقتصادي العالمي ليس جيداً، بل إن الرهان على اقتصادات صاعدة يمكن أن تعوض شبه الكساد في الاقتصادات المتقدمة جاء على ما يبدو بنتائج عكسية أضرت بنتائج أعمال البنوك والقطاع المالي العالمي عموماً في الأشهر الأخيرة . كما أن الحكومات لم تعد لديها أدوات متبقية لا بالنسبة إلى السياسة النقدية ولا بخطط وسياسات اقتصادية مبتكرة تمكنها من مساعدة القطاع الخاص على تجاوز الأزمة .

إلا أن كل ذلك لا يجب أن يدفع إلى توقع الكارثة لأسباب عديدة منها: أولاً، أن خفض التصنيف الائتماني لأمريكا كان متوقعاً . وإذا ظل عند فقدان مستوى (ايه ايه ايه) إلى مستوى (ايه ايه موجب) كما قررت ستاندرد اند بورز، فقد حدث هذا مع اليابان قبل عقد من الزمان ولم يحل دون استمرار اقتراضها ومحاولة تنشيط اقتصادها .

ثانياً، أن أمامنا عاماً ونصف العام على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستشهد صراعات سياسية تؤثر بشدة في الاقتصاد . ويمكن خلال هذه الفترة أن ينتقل التركيز إلى أوروبا لنشهد مزيداً من الضغوط في سوق السندات تزيل قدراً كبيراً من العلل التي يعانيها القطاع المالي العالمي .

ثالثاً، أن هناك اقتصادات كثيرة في العالم لم تكن وصلت إلى هذا الحد من الاعتماد على القطاع المالي في نشاطها بما يعني وجود قاعدة جديدة لأي انطلاقة للاقتصاد العالمي .

رابعاً، وهذا هو الأهم، أن كل تلك التطورات السلبية إنما تكمل المهمة الفاشلة للحكومات في التغيير الهيكلي الحقيقي للقطاع المالي الذي استنفد على ما يبدو كل أدوات إصلاح نفسه بنفسه حسب الحكمة التقليدية لاقتصاد السوق .

لهذا السبب الأخير، ربما لم يأت الأسوأ بعد بالنسبة إلى القطاع المالي العالمي وإن كان ذلك سيؤثر في الاقتصاد العالمي ككل فان التاثير لن يكون بحجم وأبعاد الانهيار الكبير قبل أربع سنوات .

والأرجح أن تشهد اقتصادات أوروبية كبرى، لا تزال تتمتع بالتصنيف الائتماني الممتاز لديونها السيادية، ضغوطاً مماثلة من مؤسسات التصنيف الائتماني الكبرى .

وسيعني ذلك في الأغلب تبخر بضعة تريليونات من الدولارات مما تبقى من فقاعة المال العالمية التي تراكمت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة . ورغم مخاطر دخول الاقتصاد العالمي كله في ركود ثانٍ، ومن ثم كساد كبير، إلا أن كل ذلك مقدمة صحية للتخلص من عيوب هيكلية لم تفلح السياسات الترقيعية والإصلاحية في اجتثاثها .

وربما يكون مثالاً جيداً هنا وإن كان صغير الحجم بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي ما حدث في أزمة ديون دبي بكل مواقف مؤسسات التصنيف والمؤسسات المالية الدائنة والسياسات الاقتصادية للإمارة .

صحيح أن الأزمة أدت إلى نتائج سلبية على اقتصاد دبي، وربما اقتصاد دولة الإمارات عموماً بقدر ما، لكنها كانت في الواقع ضرورية للتخلص من علل هيكلية، لم تصل إلى حد التجذر كما هو الحال في الاقتصاد العالمي، والبدء في انطلاقة جديدة تتلافى تماماً أسباب الأزمة .

وليس نموذج دبي بالمتفرد في هذا السياق، وإن كان أكثر وضوحاً وأقرب للوضع العالمي، بل هناك أمثلة مشابهة في آسيا وأمريكا اللاتينية . ولمن يريد التغيير السليم أن يأخذ الدروس من تلك التجارب أن كان الهدف حلولاً جذرية وليس محاولة ترقيع النظام الحالي منتهي الصلاحية .

وأما العالم فترة عام، أو عام ونصف العام على الأكثر، يمكن خلالها التفكير بجرأة والعمل بطريقة الصدمة للتخلص من كل عيوب النظام المالي والاقتصادي العالمي . فلن يجدي الاستمرار في السياسات الحالية التي لم تحقق حتى الهدف المرجو منها، وهو الإصلاح ليعود النظام للعمل ولو بنصف كفاءة .

وإذا كان البعض يمتدح سياسة حكومة المحافظين في بريطانيا لأنها تشددت في إجراءات الإصلاح، فان ذلك المديح قد ينقلب في غضون أشهر قليلة إلى مذبحة لاقتصاد البريطاني ستشارك فيها مؤسسات التصنيف ذاتها التي تتغنى بالمثال البريطاني الآن . فضلاً طبعاً عن العلل الهيكلية في اقتصادات أوروبية رئيسة أخرى ما زالت تتمتع بالتصنيف الائتماني الممتاز مثل فرنسا وألمانيا . إذ إن تلك الأخيرة مرشحة، في حال استمرار السياسات الحالية، إلى ضغوط لا تقل عما تتعرض له أمريكا الآن .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"