ليس النفط هو المشكلة

02:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

تعطي التوترات السياسية والاضطرابات المسلحة والكوارث الطبيعية وتبعاتها في أنحاء مختلفة من العالم فرصة للمسؤولين السياسيين والاقتصاديين الرسميين، ولجوقة المحللين والكتاب المحيطين بهم، فرصة لتكرار المقولات الكلاسيكية والهروب من الفشل في مواجهة الأسباب الحقيقية للأزمة المالية العالمية قبل ثلاثة أعوام والركود الاقتصادي العالمي الذي تلاها .

ورغم بعض الاجراءات التجميلية، خاصة في ما يتعلق ببعض القواعد المنظمة للنشاط المصرفي والمالي لم تتمكن الحكومات الرئيسة في العالم، ولا المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، من التعامل مع جذور الأزمة لمنع تكرارها . واكتفى الجميع، خاصة مع صعود اليمين السياسي في أغلب الدول الرأسمالية الرئيسة، بتلك الترقيعات في النظام القديم للابقاء على كافة آلياته وأدواته التي تعمل بالفعل على خلق أزمة جديدة قد تؤدي إلى انهيار شامل إذا لم يتم تدارك الأمر .

من بين الكليشيهات الممجوجة في الدول الرئيسة القاء اللوم على أسعار النفط وسياسياً على منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في تبرير ضعف النمو الاقتصادي واحتمالات الانكماش في المستقبل . كما تتخذ تلك المقولة مبرراً ملفقاً لسياساتها التقليدية، التي كانت في أغلبها أحد أسباب الانهيار المالي العالمي والركود الاقتصادي . وقد توفر لهؤلاء ظرف غير مسبوق نتيجة تزامن الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع كارثة زلزال وتسونامي اليابان والمشكلة النووية الناجمة عنه . فمنذ بدأت الاضطرابات في ليبيا، العضو في أوبك والتي تنتج 6 .1 مليون برميل من النفط يومياً شهدت أسعار النفط بعض الارتفاع . ونقول بعض الارتفاع، لأن الأسعار آخذة في الارتفاع بالفعل، وبمعدل معقول، منذ مطلع العام الماضي بعد انهيارها عن أعلى مستوى وصلت اليه حين قاربت 150 دولاراً للبرميل في خريف 2008 .

ولم يكن معدل الزيادة نتيجة نقص في المعروض في السوق العالمي بقدر ما كان نتيجة مضاربات مستمرة في السوق تستفيد من حساسية أسواق السلع للأخبار السياسية وغيرها . وسارعت السعودية، التي تملك اكبر طاقة انتاج احتياطية بين اعضاء أوبك وربما في العالم، إلى تعويض النقص في الانتاج الليبي وأعربت عن استعدادها لتعويض كامل الانتاج إذا توقف نفط ليبيا كلياً .

لم يكن هناك إذا أي خلل في العرض مقابل الطلب، كما أنه رغم استمرار نمو الطلب على الطاقة من اقتصادات صاعدة كالصين والهند إلا أن هشاشة التعافي الاقتصادي العالمي جعلت الطلب العالمي إجمالاً يظل متواضعاً .

أضف إلى ذلك إلى أنه في الأعوام الأخيرة، ومع الركود الاقتصادي ووفرة المعروض النفطي، خزنت أغلب الدول الصناعية المستهلكة كميات غير مسبوقة من النفط في مخزونات تجارية هائلة .

ثم جاء زلزال وتسونامي اليابان ليعطل بعضاً من محطات الطاقة النووية، ما جعل البعض في سوق المضاربات يحاول الاستفادة من أن اليابان ستعتمد أكثر على النفط في توليد الطاقة بعد توقف ما يقرب من ثلث طاقتها النووية . لكن السوق عدلت وضعها بسرعة مع ما بدا من تأصير متوسط المدى للكارثة الطبعية على الاقتصاد الياباني الذي خفض كثيرون تقديراتهم لمعدلات نموه . ولأن اليابان تستورد أغلب احتياجاتها من النفط، وتقريباً كلها من الشرق الأوسط، فإن أي تراجع في النمو الاقتصادي سيعني انخفاضاً في الطلب من ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم .

ومن شأن ذلك أن يضيف إلى الضغوط على الطلب، الهش أصلاً بسبب هشاشة النمو في الاقتصادات الكبيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية . ومهما كانت الزيادة في الطلب الصين والهندي على الطاقة فإنه بالكاد يمكن أن تعادل التراجع الناجم عن التردي في النمو الاقتصادي لبقية كبار المستهلكين .

لذا فعلت أوبك خيراً بعدم استجابتها لضغوط إعلامية لعقد اجتماع طارئ وقررت حتى الآن الإبقاء على موعد اجتماعها الدوري في يونيو/ حزيران . فليس هناك ما يمكن لأوبك، ولا حتى غيرها من المنتجين من خارجها، عمله . كما أن الأسعار في حدود ما فوق المئة دولار للبرميل لا تزال معقولة، ولا يمكن اعتبارها عالية حقاً في ظل استمرار تراجع قيمة الدولار ونسب التضخم المتصاعدة في أغلب الاقتصادات .

وحتى لو تجاوز سعر البرميل 120 دولاراً في الفترة المقبلة، فليس هناك من مبرر لأي زيادة كبيرة في الإنتاج لأن أساسيات السوق في وضع يسمح بتكرار ما حدث في خريف عام 1998 ووقتها أصرت السعودية، بسبب الضغوط السياسية أيضاً، على زيادة سقف إنتاج أوبك مليوني برميل يومياً في اجتماع جاكرتا فما لبثت الأسعار أن انهارت ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 12 دولاراً .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"