مشروع تحرير الاقتصاد الليبي

02:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

تشير بعض أنباء متداولة في دوائر أعمال الاتصالات بأن الحكومة الليبية تنوي طرح جزء من أسهم شركتي الاتصالات الحكوميتين، المدار وليبيانا، في البورصة الليبية في وقت مبكر من هذا العام . ومع أن التكهنات بشأن خصخصة جزئية لقطاع الاتصالات الحكومي بطرح أسهم منه في البورصة الليبية تتردد منذ عام 2007 ولم تتحقق، لكن بعض التقارير تنقل هذه المرة عن مسؤولين حكوميين في ليبيا أن الطرح قريب . ومع أن التكهنات الأولى دارت حول نسبة 30 في المئة من كل من الشركتين، إلا أن التقديرات الآن هي لطرح ما بين 2 و5 في المئة من كل منهما . ويعزز من تلك التقديرات أن البورصة الليبية مازالت غضة وصغيرة، وربما لا تتحمل طرح قدر كبير من رأس المال فيها .

ولا تقتصر أهمية هذه الأنباء على قطاع الاتصالات ولا البورصة الليبية، وإنما تتجاوزها لتلقي الضوء على مشروع الخصخصة وتحرير الاقتصاد الليبي، بهدف تعزيز تنوعه بعيداً عن النفط والغاز الذي يعتمد اقتصاد البلاد شبه الكلي عليهما .

في الجزء الخاص بليبيا في تقريره السنوي عن الاقتصاد العالمي، يرسم صندوق النقد الدولي صورة جيدة للاقتصاد الليبي . كما أن تقرير بعثة للصندوق إلى ليبيا مؤخراً يتسم في خلاصته بالإيجابية، وإن اشار إلى تحديات تواجه المسؤولين عن السياسة الاقتصادية في ليبيا، خاصة فيما يتعلق باستراتيجية تحديث الاقتصاد .

وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كان الاقتصاد الليبي انكمش بنسبة 6 .1 في المئة عام 2009 . ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض إنتاج النفط الليبي مع التزام ليبيا بحصص الإنتاج المخفضة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي بدأ العمل بها مطلع 2009 . لكن رغم التراجع الكبير في عائدات صادرات الطاقة نتيجة خفض الإنتاج، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي لبقية قطاعات الاقتصاد غير قطاع الطاقة نمواً بنسبة 6 في المئة في 2009 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي . وربما هذا ما جعل الأرقام الرسمية للبنك المركزي الليبي تضع معدل انكماش الاقتصاد عند 7 .0 في المئة فقط، وهي نسبة أقرب للمعقول من تقدير الصندوق سالف الذكر . لكن التقديرات لحالة الاقتصاد الليبي العام الماضي مثيرة بحق . فتقرير صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً بنسبة 3 .10 في المئة في 2010 ما يجعل الاقتصاد الليبي من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم العام الماضي . ويعود ذلك إلى الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الليبي، إضافة إلى ارتفاع الأسعار خلال 2010 عما كانت عليه في العام السابق . ويقدر تقرير الصندوق إن إنتاج ليبيا من النفط في 2010 وصل إلى مستوى 86 .1 مليون برميل يومياً، مقابل معدل إنتاج عند 63 .1 مليون برميل يومياً في 2009 . ويرسم صندوق النقد الدولي في تقديراته للسنوات المقبلة صورة إيجابية جدا للاقتصاد الليبي تستند يالاساس إلى زيادة إنتاج النفط بقوة حتى عام ،2015 إذ يتوقع الصندوق أن يصل مستوى الإنتاج في المتوسط للعام الحالي 2011 إلى 94 .1 مليون برميل يومياً على أن يصل إلى حد 5 .2 مليون برميل يوميا بحلول 2015 . ويقدر الصندوق أنه بحلول العام ،2015 وحسب تقديراته المتفائلة لقطاع الطاقة تلك، سيصل إجمالي الموجودات الخارجية للبنك المركزي الليبي وهيئة الاستثمار الليبية إلى 250 مليار دولار .

إلا أنه استناداً إلى تقديرات وكالة الطاقة الدولية، ومع الأخذ في الاعتبار توقعات مؤسسات بحثية وتحليلات السوق بشأن تطور قطاع الطاقة الليبي في السنوات القادمة لا يتوقع أن يتجاوز الإنتاج الليبي 6 .1 مليون برميل يومياً من النفط . وإذا كان الصندوق يقدر نمو الاقتصاد الليبي بنسبة 3 .6 في المئة في 2011 فإن تقديرات متحفظة لا تتوقع أن يصل إلى 4 في المئة هذا العام .

وفي توقعاتها للسنوات الخمس المقبلة، تقدر وحدة تحليل المعلومات في الإيكونوميست ألا يصل معدل إنتاج النفط الليبي إلى مستوى المليوني برميل يومياً في السنوات الأربع المقبلة، وتقدر أنه بحلول 2015 سيصل الإنتاج إلى 8 .1 مليون برميل يومياً . واستناداً إلى ذلك تقدر نمو الاقتصاد بنسبة 7 .3 في المئة هذا العام وأن يواصل النمو حتى 2015 بمتوسط 4 في المئة سنوياً .

هذا التفاوت في التقديرات الوردية لبعثة صندوق النقد الدولي وتوقعات الإيكونوميست وغيرها من المؤسسات يرجع إلى التحديات التي تواجه المسؤولين عن الاقتصاد الليبي ومدى قدرتهم على الدفع باتجاه تنويعه وزيادة إسهام القطاعات الأخرى غير قطاع الطاقة في نمو الناتج المحلي الإجمالي . فرغم أن مشروعات البنية التحتية وغيرها من النشاطات التي يمكن أن تسهم في تنويع الاقتصاد الليبي مستمرة، إلا أنها بطيئة ولا يتوقع لها التسارع في ظل لغط سياسي مكتوم في البلاد . ولأن برنامج الخصخصة لا يزال محل جدل وتعطيل لأسباب سياسية في الأغلب، فلا يتوقع أن تسهم عائداتها في تحقيق نمو سريع، كما يتوقع صندوق النقد . وربما كان العام الجاري حاسماً في كيفية مواجهة تلك التحديات الاقتصادية الليبية، بما يوضح أي سيناريوهات النمو حتى 2015 هو الأقرب للواقع .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"