هل تشهد الجزائر ميلاد (أوجك)؟

04:46 صباحا
قراءة 5 دقائق

على مدى الأيام الأخيرة من شهر مارس، كرر وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل تصريحاته بأن على مدى الأيام الماضية، التصريح بأن منتدى الدول المصدرة للغاز سيناقش في اجتماعه المقبل في مدينة وهران غرب الجزائر يوم 19 ابريل مسألة خفض الإنتاج لدفع الأسعار لمستوى موازٍ لأسعار النفط . ويستند الاقتراح الجزائري الذي سيقدم للمنتدى إلى توصيات دراسة ستقدم لوزراء طاقة الدول المشاركة .

ويعني المستوى الموازي لأسعار النفط، الذي أشار إليه وزير الطاقة الجزائري، أسعاراً للغاز عند 12 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك أكثر بكثير من متوسط السعر في خمس سنوات مؤخراً، عند 7 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية .

وما يثير قلق المنتجين والمصدرين أن الأسعار تتراجع بشدة منذ عام ونصف العام .

فقد هوت الأسعار منذ مطلع العام حتى الآن بنسبة 29 في المائة، وذلك بعد انخفاضها بنسبة 25 في المائة في المتوسط خلال عام ،2009 ولا يتوقع أن تتحسن الأسعار مع دخول إنتاج جديد في السوق من قطر والولايات المتحدة، وكذلك تراجع الطلب الناجم عن التباطؤ الاقتصادي العالمي .

ونتيجة انخفاض الأسعار في السوق الفورية تلجأ الدول المستهلكة إلى تقليل وارداتها ضمن اتفاقاتها طويلة الأجل مع المصدرين وتستعيض عن ذلك في تلبية احتياجاتها بالشراء من السوق الفورية بأسعار أقل . وهذا ما يجعل مصدرين كباراً آخرين للغاز يشاطرون الجزائر القلق من انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، ويجعل المسألة مهيمنة على اجتماعات المنتدى المقبل .

لنأخذ على سبيل المثال الجزائر، التي ترقد على ثامن أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم وتعد أكبر مصدر للغاز من شمال إفريقيا، فهي ترتبط بعقود تصدير طويلة الأجل مع كثير من المستهلكين في أوروبا (الجزائر ثالث أكبر مورد للغاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج) .

ولأنها اتفقت على أسعار معقولة قبل عدة أعوام في فترة ارتفاع الاسعار عند 7 دولارات تقريباً للمليون وحدة حرارية بريطانية، فقد بدأت تشهد تقليل زبائنها وارداتهم من الغاز ضمن تلك العقود ويشترون من السوق الفوري الذي هبطت الأسعار فيه إلى أقل من 4 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية . من هنا جاء اقتراح خفض الإنتاج لزيادة الأسعار، والذي يتطلب موافقة الدول المشاركة في اجتماع المنتدى كلها . ومن شأن إقرار مثل ذلك الاقتراح أن يجعل من المنتدى كارتل للغاز مثل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بالنسبة للنفط . وسيعني ذلك عملياً منظمة الدول المصدرة للغاز، أو (اوجك) .

وليست فكرة أوبك للغاز اوجك بجديدة، فقد برزت منذ أول اجتماع لمنتدى مصدري الغاز في طهران عام ،2001 لكنها لم تثر الاهتمام الواسع عالمياً إلا عندما أثارها رئيس الوزراء الروسي الحالي فلاديمير بوتين، عندما كان رئيساً لروسيا عام 2002 وحظيت دعوته حينذاك بدعم الرئيس الكزاخستاني نور سلطان نزارباييف . لكن الفكرة خبت سريعاً، إلى أن عادت قوية في عام 2006 حين هدد عضو مجلس إدارة شركة غازبروم العملاقة الكسندر ميدفيديف بأن بلاده ستشكل تحالفاً لموردي الغاز أقوى من أوبك، وذلك إذا لم تتمكن من الاتفاق على تصدير الغاز لأوروبا بشروط عادلة . واتفقت روسيا مع أوروبا وخبت فكرة اوجك مرة أخرى . لكنها لم تخبو تماماً منذ ذلك الحين، ومع توتر العلاقات بين إيران والغرب أصبحت فكرة اوجك مادة في الإعلام حين الحديث عن إيران، وأيضاً عن مواقف فنزويلا المعادية للغرب منذ تعزيز رئيسها هوغو تشافيز لسلطته .

وقبل عامين احتلت مسألة إقامة كارتل للغاز الطبيعي عناوين وسائل الإعلام، وقيل وقتها إن روسيا وإيران وقطر (أكبر ثلاثة احتياطيات غازية في العالم بالترتيب) والتي تملك نحو 60 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم اتفقت على إنشاء كارتل للغاز . لكن سرعان ما طمأن هؤلاء المنتجون العالم بأنه ليست هناك أوبك غازية بهذا المعنى . وإنما اتفق منتدى مصدري الغاز، الذي أصبحت قطر مقره، على لجنة من بين دوله الأعضاء تعني بمراقبة السوق ونصح أعضاء المنتدى بشأن سياسات الإنتاج والتصدير .

ويضم المنتدى في عضويته 15 دولة تملك إجمالاً 73 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم وتنتج 41 في المائة من الإنتاج العالمي من الغاز . ودول المنتدى دائمة العضوية هي قطر والجزائر وبوليفيا ومصر وغينيا الاستوائية وإيران وليبيا ونيجيريا وروسيا وترينداد وتوباغو وفنزويلا . ودعت دول المنتدى كلاً من كازاخستان واليمن وبيرو للمشاركة في اجتماعات وهران .

والمشكلة الأساسية التي تعيق إمكانية وضع حصص إنتاج لمصدري الغاز الطبيعي للتأثير في حركة الأسعار في السوق، كما تفعل أوبك، هي أن عقود توريد الغاز في الأغلب طويلة المدى ويتم الاتفاق على سعر متوسط للعقود لفترات طويلة . أضف إلى ذلك أن خفض الإنتاج قد لا يكون أمراً يسيراً في ظل تنامي الطلب المحلي في الدول المنتجة بشكل كبير .

تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الغاز الطبيعي يشكل نحو 20 في المائة من استهلاك الطاقة في العالم وأن تلك النسبة مرشحة للزيادة . وحسب سيناريوهات مستقبل سوق الطاقة العالمي تقدر الوكالة أن تلبية الطلب الجديد على الغاز الطبيعي يعتمد إلى حد معقول على قدرة المنتجين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على زيادة الإنتاج والتصدير في العقدين المقبلين . ويتوقع أحد سيناريوهات الوكالة زيادة نصيب المنطقة في إنتاج الغاز العالمي من 17 في المائة عام 2007 إلى نسبة 20 في المائة في عام 2015 ونسبة 27 في المائة في عام ،2030 حين يصل إنتاج المنطقة من الغاز الطبيعي إلى 2 .1 تريليون متر مكعب، مقابل مستوى 513 مليار متر مكعب عام 2007 . كما تقدر أن استهلاك الغاز المحلي في دول المنطقة سينمو بنسبة 3 في المائة على الأقل في الفترة المقبلة .

وفي بحث حديث تشير وحدة تحليل معلومات الايكونوميست إلى أن كثيراً من دول المنطقة تجد صعوبة في تلبية احتياجات السوق المحلي من الغاز الطبيعي، ما يجعل الفائض للتصدير من إنتاجها أقل مما يساعدها على لعب دور مؤثر في السوق . ويعتمد نمو الطلب المحلي على نسبة النمو الاقتصادي السريعة نسبياً في اقتصادات المنطقة في الفترة من 2003 إلى 2008 ومن ثم زيادة الطلب المحلي على الغاز لتوليد الكهرباء وتخلية المياه وتغذية الصناعات الأخرى المعتمدة على الغاز الطبيعي . ويشير التقرير أيضاً إلى أنه بجانب النمو الاقتصادي هناك عوامل أخرى مثل تركيز الاستثمارات على النفط أكثر من الغاز الطبيعي وتشوه أسعار الغاز في السوق المحلية نتيجة الدعم الحكومي للاستهلاك المحلي .

ربما يكون اقتراح الجزائر لمنتدى مصدري الغاز منطقياً، ومقبولاً من جانب كثير من المصدرين، لكن الاتفاق على تنفيذه سيكون صعباً ليس فقط لعوامل العقود طويلة الأمد ونمو الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة ولكن أيضاً لأن خطوة كهذه ستعني عملياً اللبنة الأولى في بناء كارتل اوجك . وتلك خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز سوق الغاز الطبيعي والعرض والطلب فيه .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"