هل يصمد اليورو؟

03:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

أخيراً طلبت البرتغال إنقاذاً مالياً من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وانضمت للدول الأوروبية التي تخلفت عن سداد أقساط ديونها السيادية: اليونان وجمهورية إيرلندا .

ورغم عدم الإعلان عن رقم رسمي لقرض الإنقاذ الرسمي للبرتغال، إلا أن التقديرات منذ فترة هي أنه سيكون في حدود 80 مليار يورو وهو يعد نسبياً أقل من قروض الإنقاذ السابقة، إذ احتاجت اليونان إلى 110 مليارات يورو وإيرلندا إلى 85 مليار يورو .

وبغض النظر عن الشروط التي ستلحق بقرض الإنقاذ للبرتغال من ضرورة اتخاذ إجراءات تقشفية قد تثير مزيداً من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، فإن زيادة عدد دول منطقة اليورو التي تعاني حدة أزمة الديون السيادية يشكل ضغطاً إضافياً على العملة الأوروبية الموحدة .

ومنذ اضطرت اليونان إلى الإعلان عن تخلفها عن سداد أقساط ديونها وحاجتها لقروض إنقاذ أوروبية ودولية، بعدما هوى التصنيف الائتماني لديونها تماماً ودول اليورو وهي 17 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ال 25 تدرك حجم الأزمة التي تواجهها العملة الموحدة .

وظهر ذلك في تراجع قيمة اليورو مراراً في الآونة الأخيرة مقابل العملات الرئيسية الأخرى خاصة مع إبقاء البنك المركزي الأوروبي (المسؤول عن السياسة النقدية لدول اليورو) على أسعار الفائدة عند مستوى 1 في المئة منذ الأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي . وإن كان البنك المركزي بدأ في إبريل/نيسان تشديد سياسته النقدية، بزيادة سعر الفائدة الأساسية لدول اليورو بمعدل ربع نقطة مئوية، فإن ذلك وإن دعم سعر اليورو إلا أنه يشكل ضغطاً آخر على الدول المفلسة (اليونان وإيرلندا والبرتغال) .

فإذا كانت الحكومات في تلك الدول أمنت قروض إنقاذ بفوائد محددة لتمويل العجز الناجم عن ديونها، فإنها بحاجة لنشاط كبير للقطاع الخاص الذي يحتاج للتمويل من السوق .

ومع ارتفاع كلفة الاقتراض التجاري مع زيادة الفائدة سيجد القطاع الخاص في تلك الدول صعوبة كبيرة لتوسيع نشاطاته .

الموقف الرسمي الأوروبي هو أن اليورو في وضع جيد وأن الاقتصادات الرئيسية في مجموعة دول اليورو في وضع اقتصادي لا ينذر بمخاطر ضخمة يمكن أن تؤدي إلى انهيار العملة الأوروبية الموحدة .

ويستند هذا الموقف إلى حجة بسيطة تقول إن الدول التي تعاني أسوأ الأوضاع صغيرة بالقدر الذي يسمح بإنقاذها وهناك دعم سياسي كاف لذلك . صحيح أن حجم الاقتصاد اليوناني او الإيرلندي أو البرتغالي ليس بالحجم الكبير مقارنة بألمانيا أو فرنسا أو إسبانيا او إيطاليا . لكن بعض التحليلات المتشائمة حول أزمة الديون السيادية لدول مجموعة اليورو تتوقع أن تقف سلسلة الإفلاسات عن البرتغال .

ويذهب البعض إلى أن إسبانيا أو إيطاليا هي التالية على خطى التخلف عن سداد الديون وطلب الإنقاذ المالي الرسمي . ولا شك في أن هذا ليس بغائب عن أذهان الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي وتلك التي تتبنى عمل ما يتطلبه الأمر للحفاظ على العملة الموحدة . وهنا نعني بالتحديد ألمانيا وفرنسا .

لكن بغض النظر عن إفلاس إسبانيا أو إيطاليا، وهو أمر محتمل، فإن الوضع الراهن لا يمكن أن يكون مستداماً لأسباب عدة ولنأخذ مثالاً على ذلك من الاجتماعات الأوروبية الأخيرة، من قمة الزعماء الأوروبيين نهاية الشهر الماضي إلى اجتماعات وزراء المالية الأوروبيين، التي لم تحسم كثيراً من الأمور المتعلقة بالسياسة المالية والاقتصادية المطلوبة لحسم مشكلة الديون السيادية في دول الاتحاد .

وبعيداً عن البيانات الرسمية المطمئنة وتأكيد الالتزام بالإصلاح وتكرار متطلبات خفض عجز الميزانية في الدول التي تعاني مشكلة ديون حادة، فان الواقع يعكس شبه جمود على صعيد أي خطوات عملية لمواجهة احتمالات تفاقم مشكلة الديون بما يهدد اليورو فعلاً .

فقد وافقت القمة الأوروبية في 24-25 مارس/آذار الماضي من حيث المبدأ على زيادة حجم صندوق الاستقرار المالي الأوروبي إلى المبلغ الاصلي له وهو 440 مليار يورو، إذ أن ما هو متوفر له الآن لا يتجاوز 250 مليار يورو . وتركت مسألة الزيادة للحسم في القمة المقبلة في يونيو/حزيران، فقد كان الاتفاق إذاً من حيث المبدأ وأرجئت الإجراءات العملية لتفادي الخلافات . ولا تقتصر تلك الخلافات على الشقاق في الرأي الذي بدا يبرز بين أكبر اقتصادين في مجموعة اليورو وهما ألمانيا وفرنسا . بل إن دولاً أصغر، خاصة تلك التي لا تعاني مشكلات ديون كبيرة، ترفض أن تتحمل نصيباً أكبر في إنقاذ اقتصادات مفلسة من اليونان إلى إيطاليا . وتتفاقم المشكلة في حال قرب انتخابات في تلك الدول، كما هو الحال في فنلندا مثلاً التي ترفض المساهمة الإضافية في صندوق الاستقرار وحكومتها تواجه انتخابات قد تخسرها لصالح قوى سياسية أقل تحمساً لكلفة أوروبا واليورو .

حتى الاقتصادين الرئيسيين، وإضافة للخلافات الواضحة بين المستشارة انجيلا ميركل والرئيس نيكولا ساركوزي، يواجهان أيضاً انتخابات عامة في غضون عام . وما بين قوى يمين متشدد صاعدة ويسار تقليدي يعارض كلاهما انخراطاً أوروبياً ذا كلفة عالية وتبعات اقتصادية ذات تكاليف اجتماعية لا تجد ميركل وساركوزي نفسيهما في وضع يسمح باتخاذ إجراءات جريئة .

وربما يريد كل هؤلاء ترك الأمر إلى تحول صندوق الاستقرار المالي الأوروبي إلى آلية الاستقرار الأوروبية بحلول 2013 والتي قُدِّر أن يكون حجمها 500 مليار يورو . لكن هل يملك هؤلاء ترف التأجيل إذا أفلس اقتصاد أوروبي آخر ليس صغيراً مثل إسبانيا او إيطاليا؟

بالتأكيد لا، وساعتها ستلجأ دول أوروبا الرئيسية إلى إجراءات عاجلة لإنقاذ أي دولة أخرى مهما كلفها ذلك لتفادي الكلفة الأكبر التي قد تترتب على انهيار اليورو . فلا أحد في أوروبا يريد للعملة الموحدة أن تختفي، ولا حتى بعوامل السوق الحر .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"