“أوبك” الأمر الواقع

07:14 صباحا
قراءة 4 دقائق

ربما يكون قرار منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في منتصف الشهر الأخير من العام برفع سقف الإنتاج الرسمي إلى 30 مليون برميل يومياً قد أعاد لها بعض المصداقية في السوق بعد اجتماع يونيو/حزيران الماضي الذي فشلت محاولة السعودية في إقرار اتفاق برفع سقف الإنتاج الرسمي . والواقع أن القرار إنما حدد السقف الرسمي بالإنتاج الفعلي عند نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني ،2011 مع إضافة العراق إلى نظام الحصص بعد فترة من استثنائها من قرارات أوبك تحديد سقف للإنتاج، وبدا واضحاً أن القرار جاء بعد اتفاق السعودية، ممثلة لمنتجي النفط من دول الخليج الذين ينتجون 60 في المئة من إنتاج أوبك، وإيران، ممثلة لصقور أوبك الذين لا يبالون بارتفاع أسعار النفط طالما هناك عرض يكفي الطلب كالجزائر وفنزويلا، وهكذا أقرت أوبك الأمر الواقع من دون تضرر أحد نظرياً حتى الآن .

ذلك الخلاف هو الذي أفشل الاجتماع السابق للمنظمة، مع أن الإبقاء وقتها على سقف الإنتاج الرسمي لم يكن ذا معنى إذ إنه عمليا يتم تجاوزه من جانب أغلب الاعضاء، خاصة من لديهم طاقة إنتاج احتياطية . فسقف الانتاج الرسمي للمنظمة منذ ديسمبر/كانون الأول 2008 هو 84 .24 مليون برميل يوميا لدول أوبك ال11 باستثناء العراق، وإذا أضيف انتاج العراق - الذي تم تضمينه في الاتفاق الأخير - يظل السقف المفترض في حدود 5 .27 مليون برميل يومياً، ومع ارتفاع الطلب على نفوط أوبك إلى ما يقرب من 29 مليون برميل يومياً وغياب النفط الليبي (أكثر من مليون برميل يومياً) لفترة زادت الدول التي تستطيع من إنتاجها فوق الحصص . وجاءت الزيادة الأكبر بالطبع من السعودية التي تملك أكبر قدرة إنتاج احتياطية ليصل إنتاجها إلى 10 ملايين برميل يومياً، وهناك مشكلة حقيقية في مسألة الحصص منذ سنوات، إذ إن دول الصقور لا تملك قوة إنتاج احتياطية بل إن بعضها -كإيران - لا تنتج حتى الحصة المقررة لها لأسباب تتعلق بمشكلات قطاع الطاقة فيها . المهم أن اتفاق إيران والسعودية، وإن كانت له أسباب سياسية تتعلق بمحاولات طهران تنقية الأجواء مع الرياض وسط تزايد الضغوط عليها، أدى إلى قرار أوبك برفع سقف الإنتاج إلى حد الإنتاج الفعلي . وكانت السعودية سبقت اجتماع أوبك بالإعلان عن حجم إنتاجها الكبير بالفعل، فيما سربت إيران أنها اتفقت مع السعودية على ألا تزيد إنتاجها أكثر بما يتيح المجال لزيادة إنتاج نفط ليبيا ودخوله السوق باعتبار ذلك سيزيد من العرض أكثر من الطلب . وواقع السوق أن العرض ليس فيه مشكلة، بل يزيد على الطلب بما يكفي لإعادة بناء أي نقص في المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة - مع الأخذ في الاعتبار أن تلك المخزونات كبيرة جداً ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة . لكن ذلك بالطبع لا يوقف الضغط السياسي من الغرب على الدول المنتجة في أوبك كي تزيد الإنتاج أكثر لتنخفض الأسعار أكثر بشكل ربما يضر بالسوق ككل .

تدور الأسعار الآن حول المئة دولار للبرميل، وهو المستوى الذي تفضله السعودية والإمارات، ويتوقع أن تهبط رغم أننا في فصل الشتاء الذي يشتد فيه الطلب موسمياً على وقود التدفئة في نصف الكرة الأرضية الشمالي . لكن مع دخول الربع الثاني من العام المقبل وهبوط الطلب الموسمي سيكون هناك عامل آخر يدفع بالأسعار للهبوط لو ظلت مستويات إنتاج أوبك هكذا . ذلك العامل هو تراجع الطلب نتيجة تباطؤ الاقتصاد، وهو أمر يبدو أكثر احتمالا مع كل التقديرات السلبية للركود الاقتصادي العالمي في النصف الأول من ،2012 وفي تلك الفترة أيضاً سيعود النفط الليبي إلى السوق (ربما في حدود 3 .1 مليون برميل يومياً مجدداً)، كما يمكن أن يزيد العراق إنتاجه مع دخول بعض نتائج مسروعات الشركات الأجنبية في تحسين حقوله إلى السوق .

الرهان الوحيد على أن تظل أساسيات السوق من عرض وطلب تحافظ على سعر معقول للنفط هو احتمال تضرر قطاع النفط الإيراني نتيجة تصاعد العقوبات الغربية ضد طهران بسبب برنامجها النووي، ولن يحتاج تضرر قطاع النفط الإيراني إلى فرض حظر نفطي -كما هو مقترح الآن من قبل أمريكا أوروبا- بل سيكفي فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني لتتراجع صادرات إيران النفطية . فالعقوبات على البنك المركزي ستعني عدم إمكانية تحويل عائدات الصادرات، بما فيها النفط، وهذا ما يهدد عقود التصدير، والواقع أن غياب النفط الإيراني من السوق قد لا يشكل ضغطاً أصلاً على العرض يرفع الأسعار . فإيران تنتج نحو 5 .3 مليون برميل يومياً، وهناك طاقة إنتاج احتياطية لدى دول أوبك بنحو 4 ملايين برميل يومياً أغلبها لدى السعودية والإمارات .

المشكلة الحقيقية لأوبك ستكون في حالة تراجع الطلب بشدة نتيجة الركود الاقتصادي، وهنا لن تفيد حجة المعتدلين في المنظمة بأن خفض الأسعار بزيادة الإنتاج سيساعد الاقتصاد العالمي على الانتعاش . بالطبع لا أحد في أوبك يريد تكرار كارثة اجتماع جاكرتا نهاية التسعينات عندما تم رفع سقف الإنتاج بمليوني برميل يومياً رغم كفاية العرض وقتها، وبعد ذلك تراجع العرض وانهارت الأسعار حتى وصل سعر البرميل إلى أقل من كلفة انتاجه (حول عشرة دولارات للبرميل) . وسيكون على أوبك مراقبة السوق عن كثب والاستعداد لتفعيل آلية ضبط معادلة العرض والطلب بتخفيض الإنتاج (أو زيادته) بمقدار نصف مليون برميل يومياً من دون الحاجة حتى لاجتماع طارئ .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"