النفس أم الروح؟

02:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

النفس أو الروح، والموت أو الوفاة، لا خيار في هذه أو تلك؛ بل هي مصطلحات أربعة لكل منها مدلوله الخاص، وإن كان للنفس تعلق بالوفاة، وإن كان للروح تعلق بالموت كما بينه العلماء.
ونحن ينبغي أن نتعرف إلى النفس أولاً؛ لأنها ذات الإنسان التي خلقها الله -تعالى- في الأجساد المختلفة، وتتعلق بها الإرادة والإدراك، فتقول مثلاً: «نفسي لا تقبل هذا الشيء أو: «طابت نفسي».
وإذا كان كذلك، فإن النفس هي العقل الباطن المحرك للجسد، والقلب عندئذ هو نواة النفس، والقلب في القرآن الكريم إذا أطلق أريد به الضمير الإنساني وليس العضلة التي تضخ الدم، والقلب (الضمير) بما أنه لا يرى فإنه كالنفس ليس له جرم، ومع ذلك فإنه يتحكم في أعضاء الجسم.
ونفس الإنسي والجني تختلف عن سائر المخلوقات في كونها تمتلك الإرادة، بخلاف المخلوقات الأخرى التي سلب الله -تعالى- منها الإرادة فجاءت لله طائعة من غير عصيان، ويوم القيامة يقول الله لها: كوني تراباً؛ لأنها ليست من أهل التكليف والقاعدة تقول: «إذا أخذ ما وهب رفع ما وجب».
إذن الإنسان بنفسه يمشي ويعمل، ويمتنع ويقف ويجلس، وليس بروحه، وعلى النفس يحاسب الإنسان لذلك قال الشاعر:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
                      فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وفي رواية «فأنت بالنفس لا بالروح إنسان»، ويا ترى ما الفرق بين النفس والروح؟
يقول العلماء: الروح هي الطاقة التي يبثها الله -تعالى- في المخلوق فتنبعث بها في النفس الحياة والحركة والنمو وغيرها؛ لذلك يطلق على كل ذي روح بأنه حي مادامت فيه الروح، فإن خرجت روحه حل الموت مكانها، ولا فرق في هذا بين الإنسان والحيوان والنبات والجن.
ثم إن الروح لم يدرك إلى الآن ولن يدرك فيما بعد كنهها أي إنسان؛ لأن الله -تعالى- قال: «قل الروح من أمر ربي»، فالموت يحل على الإنسان بمجرد نزع الروح منه؛ لأن الدم يتوقف عن الجريان في أعضاء الجسم.
فالإنسان يموت والحيوان يموت، والشجر يموت ولا يقال عن أي من هؤلاء بأنه توفي لماذا؟ لأن الوفاة مرتبطة بمن يجري عليه القلم وهو الإنسان، فالموت هو توقف الروح، والوفاة هي توقف جريان القلم على المكلفين من العباد.
فكل متوف يقال له ميت: وليس كل ميت يقال له متوف، ومعنى هذا أن خروج الروح من الجسد هو الموت، وخروج النفس هو الوفاة المتعلقة باستيفاء الحق وتوقف العمل.
ومن هنا يتبين أن النفس قديمة ومخلوقة قبل الروح؛ لأنها وجدت منذ أن خلق الله -تعالى- آدم، أما الروح فمرتبطة بالجسد الدنيوي.
ومن هنا فإن النفس إذا أطلقت أريد بها الإنسان، قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ» (الآية 172 من سورة الأعراف).
أما الروح فيرسلها الله -تعالى- لتنفخ في الجسد عند خلقه في الدنيا ماشاء الله أن يحيي الإنسان، وإذا نزع منه الروح فارقته في تلك اللحظة، في حين أن النفس فارقته قبل ذلك، فهو توفي أولاً باستيفاء حقه من الحياة وحلول أجله.
ثم مات بخروج روحه قال تعالى: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)» (الآيات 7-9 من سورة السجدة)
ويقول أيضاً: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىا عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىا إِلَىا أَجَلٍ مُّسَمًّىج إِنَّ فِي ذالكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، (الآية 42 من سورة الزمر)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"