سجود السهو (1 - 2)

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعتقد بعض الناس أن السهو هو النسيان والنسيان هو السهو، لكن يبدو أن هناك فرقاً بين الاثنين عند الفقهاء .
فالناسي كما يقول ابن المقري إذا ذُكّر تذكر، أما الساهي فليس كذلك، وقيل: إن الفرق بينهما أن السهو يكون بزوال الصورة تماماً من القوة المدركة، لا من القوة الحافظة، أما النسيان فيكون بزوالها من القوتين معاً . (انظر المفردات للراغب الأصفهاني، ولسان العرب لابن منظور، والتوقيف على التعاريف للمناوي، والشرح الصغير ج1 ص،367 والفواكه الداني ج1 ص61) .
وهناك فرق بين السهو والغفلة أيضاً عند الفقهاء، فالغفلة تكون عما يكون، والسهو يكون عما لا يكون .
ثم إن الغفلة تكون عن فعل الغير، كأن تكون أنت غافلاً عما فعله فلان في الوقت الفلاني، ولا يقال بأنك سهوت عن فعل فلان . (انظر شرح الخرشي ج1 ص،307 الفواكه الداني ج1 ص226 من كتاب المالكية) .
إذن فإن السهو هو موضوع حديثنا، وهو عند الفقهاء يعرّف بأن الذهول في الشيء أو عنه، بما يؤدي إلى الإخلال به بزيادة أو نقصان أو بحصول الاثنين معاً، وكلٌ يقع في الصلاة، فيجبر بالسجود ما لم يكثر جداً، فتبطل الصلاة، أو يقلّ جداً فيغتفر . (انظر شرح العلامة زرّوق على الرسالة ج1 ص203) .
والصلاة إن وقع فيها سهو، سميت بالصلاة المرقّعة، لأنها تجبر بسجود السهو، وترقيع الصلاة أفضل من إعادتها، وقد قال الإمام القرافي المالكي: "القاعدة العاشرة: التقرب إلى الله بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك أولى من الإعراض عن ترقيعها أو الشروع في غيرها" .
والاقتصار عليها بعد الترقيع أولى من إعادتها هو منهاجه عليه الصلاة والسلام، ومنهاج أصحابه والسلف الصالح بعدهم رضي الله تعالى عنهم، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع، فلا ينبغي لأحد الاستظهار على النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كان في غير ذلك خير لنبّه عليه، وقرره في الشرع، والله سبحانه وتعالى لا يُتقرب إليه بمناسبات العقول، وإنما يُتقرب إليه بالشرع المنقول (انظر الذخيرة للقرافي ج2 ص،296 وانظر حاشية الصاوي ج1 ص377) .
وهكذا نقل عن ابن عبدالبر أيضاً حيث قال: "ولا أعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال في الساهي في صلاته، أن يقطع ويستأنف الصلاة" . (انظر التمهيد ج5 ص29) .
والسهو وارد في الصلاة، سواء كان المصلي رسولاً، أو بشراً عادياً، وقد ورد السهو عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالنقص والزيادة وبالشك، وهو الذي قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" (رواه البخاري ومسلم وأبو داوود) .
وبما أن للصلاة أركاناً وفرائض وسنناً ومستحبات وفضائل، فإن علماء المالكية قالوا بأن ترك الفضائل لا يسجد له للسهو، فمن ترك القنوت أو قول: ربنا ولك الحمد مثلاً لم يسجد للسهو .
وإذا قلنا بأن الأركان يجب أن يأتي بها المصلي ولا تصح الصلاة إلا بها، فإن الفقهاء قرروا بأن التي تجبر بسجود السهو هي السنن المؤكدة، وقد حصرت عند المالكية في ثمانية:
* قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأولى والثانية .
* السر والجهر في الصلوات المفروضة .
* التكبير مرتين فأكثر غير تكبيرة الإحرام التي تعدّ من الأركان .
* قول: سمع الله لمن حمده مرتين .
* التشهد الأول .
* الجلوس للتشهد الأول .
* التشهد الأخير .
* الجلوس للتشهد الأخير، بخلاف الجلوس بقدر إيقاع السلام فإنه من فرائض الصلاة . (انظر الذخيرة للقرافي ج2 ص،289 والثمر الداني ص139) .
فمن ترك السورة بعد الفاتحة، أو أسر في مكان الجهر أو العكس، أو نسي تكبيرات الانتقال مرتين فأكثر، أو نسي التسميع مرتين فأكثر، أو نسي الجلوس للتشهد الأول أو الثاني، أو نسي التشهد الأخير، فإنه يسجد للسهو .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"