الزاوية 90

03:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
"استغرب أن أرى شاعراً ببطن مترهل ونتقدم للأمام" هكذا قال أحدهم نقلاً عن شاعرة، والتساؤل الذي دار في ذهني في تلك اللحظة هو لماذا اقتصر الأمر على الشاعر، أليس القاص والروائي والكاتب والمؤلف والمسرحي والمغني معنيين بهذا الأمر؟ أليس الكل مشمولاً بهذه الملاحظة؟ ألا ينطبق على الجميع المثل الشعبي القائل "تعال معرش ولا تأي مكرش" بمعنى أنك ستكون أ كثر قبولاً إن أتيت بغرور وكأنك ملك يجلس على عرشه من أن تقبل ويتقدمك "كرشك" وكأنه الموكب الأمامي الذي يؤمن لك الوصول .
ذكر بعض الشعراء الرياضة والبطن بطريقة غير مباشرة، فهذا الحطيئة أشار في بيت إلى أن البطن كلما كان قليل الأكل كانت الحركة رشيقة تساعد على الركض وقطع المسافات الطويلة والطرق الوعرة:
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل
            ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما
كما أن معاناة الشعراء تساعدهم على تخفيف أوزانهم بطريقة قسرية، وإن لم تتحقق في الواقع فإنها ستتحقق من خلال أبياتهم التي تشير إلى ذلك ويمكن الاستفادة منها وتوظيفها في ثقافة الرياضة، فبشار بن برد يقول والعهدة على بيته أنه نحيل الجسد:
إن في بردي جسماً ناحلاً
           لو توكأت عليه لانهدم
لم تكن هذه الملاحظة التي تؤكد أن تقدم البطن إلى الأمام من العلامات التي لا تستحب، بل سألني أحدهم باستغراب: لماذا تغامرون وتقيمون فعالية في هذه الأيام، ومن سيحضر ليستمع إلى الشعر فالناس منشغلون بحدث لا يأتي إلا كل أربع سنوات؟ قلت له: لن يكون لهذا تأثير مباشر وسترى مدرجات ملعبنا مكتظة بالناس المحبة لما يقدم لهم من نتاج يخرجهم من رتابة الحياة وضغوطات العمل، وينمي قدراتهم ويرفع لياقتهم الفكرية، وسترى أننا بإذن الله سنسجل هدفاً رائعاً .
حضر صاحبنا في يوم الأمسية وهو يمني نفسه بهزيمتنا هزيمة نكراء، لكنه حين دخل القاعة رأى بعض الحضور يقفون لأن الكراسي ممتلئة، قلت له: لقد حسبنا حساب الهجمات المرتدة والكرات العرضية والتسديدات المباشرة إلى المرمى وهدفك ملغي، وهدفنا بفضل الله ثم بفضل محبة الناس للثقافة في الزاوية 90 "المقص" .
صحيح أن كأس العالم حدث مهم ينتظره الملايين من عشاق الكرة المستديرة الساحرة في أرجاء المعمورة، ومع الحصار الشديد المفروض عليهم من خلال احتكار بث المباريات، إلا أن هذا الحصار لم يمنعهم من بذل الجهد من أجل توفير ما يمكنهم من مشاهدتها، مع أن هذا الاحتكار ولد لدى البعض إحباطاً وصل إلى حد النفور من كأس العالم وعدم المبالاة به، والاكتفاء بسماع نتائج المباريات من خلال أصدقائهم المحظوظين بالاشتراك، أو من خلال الأخبار "البايتة" في الصحف ووسائل الأعلام الأخرى .
أوافق البعض على أن كرة القدم تستحوذ على اهتمام الكثيرين، لكن البرامج والأنشطة الثقافية إن كانت لا تتعارض مع وقت المباريات أو تسبقها بوقت كاف فإن هذا لا يؤثر في شيء، كما أن ممارسة الرياضة لا تقتصر على كرة القدم وحدها، واهتمامات الناس متعددة ومختلفة، وكما يقال: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع في الأسواق .
الرياضة ثقافة يجب أن يتسلح بها الجميع، وتعلمنا أن العقل السليم في الجسم السليم، ولا تأتي هذه النتيجة إلا بالحركة المستمرة التي تخرج الفضلات والسموم والشحوم من الجسم، وأعتقد أن الخمول الجسدي والترهل الجسماني له تأثير على العطاء والنتاج الفكري والنفسي، فالرياضة قد تعيد الحالة النفسية إلى التوازن والتفكير والإنتاج الجميل، كذلك فإن الثقافة تمنح الشخص لياقة ولباقة ورشاقة في التحدث مع الآخرين .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"