ادعوه تضرعاً وخُفية

04:19 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

أهل علينا شهر رمضان المبارك على غير ما اعتدنا عليه في كل عام؛ حيث كان الاستعداد لرمضان له طقوس خاصة قبله وخلاله، تبدأ من حق الليلة قبله بأسبوعين وتتفاعل خلاله.
أذكر أن خالي رحمه الله، كان يأتي بمقرئ للقرآن يقيم في البيت مرتلاً آيات الذكر الحكيم، نجتمع إليه بعد الصلاة لنستمع إليه معطرين أسماعنا بخير ما أنزل الله من آيات على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وتعمر بيوت الله بالمصلين القائمين الذاكرين العابدين، ثم يلتئم شمل الأسرة والأهل والأقارب والأصدقاء، تجمعهم الألفة والمودة والمحبة، يجتمع الكبار في المجلس للسمر والحديث، والأطفال يسرحون ويمرحون ويلعبون، ويسارع جميع الناس لزيارة ذويهم وأقاربهم وأصحابهم، أطباق الطعام يتم تبادلها بين البيوت، فما تحب أن تأكله تطعم جارك منه.
كان الحي يعج بالحركة قبل لحظات الإفطار فتفرش الموائد سابقاً في جنبات «الفريج» ليجتمع عليها رجال الحي وأبناؤهم على مائدة واحدة جاءت أطباقها من كل البيوت في تعبير صادق عن التضامن الاجتماعي كأنهم بنيان مرصوص، والآن تفرش الموائد في المساجد مزينة بما لذ وطاب من الأطباق الرمضانية التي يرسلها أيضاً كل بيت من بيوت الحي ليأكل منها كل من يتواجد في المسجد ومن عابر سبيل أو محتاج أو فقير.
كانت الأحياء لا تنام، الأطفال يلهون ويمارسون ألعابهم من غير خوف أو وجل، والمجالس مفتوحة عامرة بطيب الحديث والسمر والمأكل والمشرب، تبادل الزيارات لا ينتهي بين الأهل والأقارب والأصدقاء والخلان والرفاق.
رمضان هذا العام جاء مختلفاً عن كل رمضاناتنا، ففيروس كورونا ألزمنا البيوت وحد من حركتنا وتنقلاتنا، عقّد أمورنا ومصالحنا الحياتية والاجتماعية والتجارية والاقتصادية، هذا الذي لا يرى بالعين المجردة والذي احتل العالم كله، ضرب في كل مفاصل الحياة وعلى مستوى الكرة الأرضية كلها وأصابها بالرعب والهلع والشلل والجمود والإفلاس والموت، وفي هذا بلا شك ابتلاء يدعونا إلى التدبر والتفكر في نعم الله الكثيرة التي أنعمها علينا ولم نرعها حق رعايتها ولم نستلهم منها شكره وتقديره والثناء عليه، يدعونا إلى الرجوع إليه رافعين أكف الرجاء والتذلل طالبين الرحمة والمغفرة ورفع الغمة، ندعوه تضرعاً وخُفيه، فهو الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم الذي قال في محكم تنزيله في سورة الأنعام الآية 42: «فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون».
رمضانكم مبارك وكريم، فاجعلوه شهر تضرع لله وتقرب إليه ودعاء لا ينقطع بأن ينظر إلينا بعين الرأفة والرحمة فيرفع عنا هذا البلاء والوباء.
اللهم إننا ندعوك تضرعاً وخُفيه فالطف بنا يا رب العالمين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"